ليس صحيحا أن فدان المباني أعلي قيمة سوقية من الفدان الزراعي.. لأن سقوط نشاط الثاني عمدا لصالح الأول أشبه بمن تعجل بذبح الدجاجة التي تبيض ذهبا، ليتلذذ بلحمها في وجبة واحدة!.. وليس صحيحا أنه لا داعي لزراعة ما يمكن استيراده من الخارج لأن أسعار سوق هذا »الخارج« لن تدوم إلا للأثرياء.. والأثرياء جدا»!«.. الصحيح أنه في ظل تداعيات أزمة الغذاء العالمية، وكذا المتغيرات المناخية، فإن القادم أسوأ بالنسبة للدول التي تهمل انتاج احتياجاتها الغذائية من أراضيها. الفلاحون: مطلوب تيسير إجراءات البناء بالمدن.. ووقف »مافيا« التعديات علي الأراضي الزراعية المؤكد ان الاصرار علي استمرار هجمة التعديات الشرسة بالمباني علي الأراضي الزراعية يمثل جريمة.. ويعكس كارثة تهدد احتياجاتنا من الغذاء.. كما ان تداعيات هذه الكارثة تؤدي لفتح المزيد من أبواب الاستيراد.. وبالتالي ظهور ما يسمي ب»الوجه الجديد للجوع«.. بمعني أن المستهلك يجد السلع متوافرة ومتاحة علي أرفف السوبر ماركت، لكنه لا يقدر ولا يجرؤ علي شرائها لجنون أسعارها.. وبمعني أنها لن تكون إلا في متناول الأغنياء.. ووقتها سيكون الغذاء للأثرياء فقط! فهل تظل سياستنا الزراعية علي عشوائيتها حتي نصل إلي هذا الخطر؟! المشكلة قديمة.. جديدة.. قديمة لأن تجاوزاتها ومخالفاتها تحفر وتنحر في الأراضي الزراعية منذ سنوات طويلة.. ولم تتم مواجهتها رغم التحذير من خطورتها.. وجديدة لأن التعديات لاتزال مستمرة.. بل تزيد معدلاتها يوما بعد يوم.. ولذلك وجب تكرار التحذير.. وزيادة دقات ناقوس الخطر.. لعل وعسي! مركز البحوث الزراعية طالب في تقرير له مؤخرا بضرورة التوسع في الاستثمار الزراعي، مشيرا إلي أن ذلك هو السبيل الوحيد لمواجهة أزمة الغذاء.. ومواجهة تقلبات الأسواق العالمية.. لكن المفارقة أن مساحات الأراضي اللازمة لإقامة الاستثمارات المرتقبة عليها تتعرض للتآكل.. فهل من الممكن إقامة مشروعات استثمارية علي أراض غير موجودة!.. علي أراض تم شغلها بأنشطة أخري؟! نعود إلي التعديات علي أرض الواقع لنسجل مشاهد مخالفات تضاعفت خلال الفترة الأخيرة، خاصة أثناء موسم الانتخابات فمساحات شاسعة علي جانبي طريق القاهرةالاسكندرية الزراعي إما تم تبويرها كبداية لتغيير نشاطها.. وإما تم زرعها بالخرسانة المسلحة.. هذه المساحات التي أصبحت منزوعة الغطاء الأخضر تتوغل التعديات عليها وتتعمق بالعرض علي الجانبين بعد أن كانت بالطول بامتداد شريط ضيق علي كل جانب. والجديد في التعديات الأخيرة أن أصحابها لجأوا إلي حيلة خبيثة بهدف فرض سياسة الأمر الواقع.. ففي العديد من المناطق تم ترك المساحات المزروعة القريبة من الطريق وتبوير الزراعات البعيدة نسبيا عنها واحلال المباني محل مزروعاتها.. وذلك لاجبار مخططي ومنفذي الأحوزة العمرانية بعد ذلك علي تحديد مساحات أكبر وأكبر للمناطق السكنية! أكثر من وسيلة أكثر من وسيلة للتعديات يتحدث عنها أبناء الريف الرافضين لتقطيع أوصال الأراضي الزراعية وتغيير نشاطها.. منهم أحمد صلاح محام وصاحب أملاك والذي يشير إلي »التفاهم« بين المخالف ومسئول المحليات، وذلك بترك الثاني للأول ليقوم بالبناء المخالف.. ومن باب التأمين خاصة في حالة شكاوي الجيران، يقوم المسئول عند المعاينة بإعداد تقرير علي أساس أن صاحب الأرض لم يخالف وإنما قام بالاحلال والتجديد لمسكنه القديم!.. وبهذا الأسلوب تعددت التعديات وتغلغلت لتضرب الأراضي التي كانت زراعية في القري والنجوع بعد أن كانت قاصرة علي جانبي الطرق الزراعية.. وقد ضاعف من استفحالها بجانب استغلال أيام الاجازات والعطلات والانتخابات أن السعر الذي يعرض علي الفلاحين لتحويل زراعاتهم إلي مبان يمثل اغراء كبيرا. إتاوات هناك قرارات لبعض المسئولين تبدو في ظاهرها ايجابية.. لكن في باطنها الكثير من السلبيات.. ففرضوا رسوما أقرب إلي الاتاوات علي تراخيص المباني.. عبارة عن مبلغ يتراوح من 05 إلي 001 جنيه علي مساحة أرض المبني.. وبحساب تكراري.. بمعني احتساب نفس مساحة الأرض علي كل الأدوار.. وكما يشير سمير راغب محام وصاحب أرض فإن هذه الاتاوة التي ضاعفت من الأعباء علي المواطنين دفعتهم إلي العودة للبناء في قراهم.. حيث أن معظم موظفي المراكز والمدن في الريف هم من القري.. ولأن هذه القري قريبة منهم خاصة مع تطور المواصلات، فقد فضلوا البناء علي الأراضي الزراعية بهذه القري هربا من أعباء البناء في المدينة.. وبذلك تكون قرارات الاتاوات علي التراخيص قد ساهمت في زيادة التعدي علي الأراضي الزراعية!.. ويري عبدالمنعم بدر مزارع ان الضغط علي المواطنين بزيادة أعباء استخراج التراخيص يتنافي مع حرص الدولة علي الأراضي الزراعية.. لأنه يدفع إلي التوسع الأفقي في المباني ومن ثم استهلاك واهدار المزيد من المساحات.. بينما المفروض أن يكون الاتجاه للتوسع الرأسي! الباقي من الزمن 91 عاما فقط ونصبح علي حافة الكارثة اذا استمر توحش التعديات.. و91 عاما ليست بالزمن البعيد في حياة الوطن.. المهم أن تقريرا صدر مؤخرا عن جمعية الديموجرافيين المصريين بالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للسكان يشير إلي ان نصيب الفرد من الأراضي الزراعية سيتراجع إلي النصف بعد 02 عاما حال استمرار الزيادة السكانية غير المحسوبة وفوضي التعديات بالزحف العشوائي للمباني علي الزراعات.. وسيتراجع نصيب الفرد من 01٪ من الفدان إلي 5٪ فقط من الفدان.. وحذر التقرير من خطورة هذا الموضع علي توفير الغذاء في مصر خاصة ان التعديات تستقطع 04 ألف فدان من أراضيها الزراعية الخصبة سنويا! ولعل صدمة الأرقام تدفع د. عبدالسلام جمعة رائد زراعة القمح إلي دق ناقوس الخطر، مشيرا إلي أن الأراضي القديمة التي تهدرها التعديات من الصعب تعويضها لأن خصوبتها تكونت واستقرت عبر مئات السنين.. وليس مقبولا التعامل مع أرضنا بنك الغذاء بنفس المنطق التجاري لرجال الأعمال! القديمة والجديدة! نقرأ ونسمع وعودا كثيرة بمواجهة التعديات من المسئولين.. لكن النتيجة لا شيء.. بل يزيد الأمر سوءا.. ورغم مطالبة اللواء عمر الشوادفي مدير المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة بضرورة الضرب بيد من حديد للمخالفين وأهمية قيام جهات الولاية المالكة بمتابعة أراضيها وإزالة التعديات فلم يتم إنجاز أي شيء.. حتي القانون المرتقب لحماية أراضي الدولة توجد به 4 جهات للقيام بمهمة الحماية وكأنه من الصعب أن نتخلص من مشكلة تعددية الجهات التي تضيع بينها المسئولية! وها هي التعديات تزحف من الأراضي القديمة إلي الأراضي الجديدة! استصلاح واستقطاع! نحن نتعامل علي طريقة من »يعطي باليمين ويأخذ بالشمال«!.. ننفق الأموال الباهظة علي استصلاح الأراضي الجديدة.. وفي نفس الوقت نستقطع.. بل نستأصل مساحات شاسعة من الأراضي القديمة.. والمشكلة كما يراها د. نادر نورالدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة تكمن في عدم تساوي القيمة بين الاثنتين.. فالفدان من الأراضي القديمة الخصبة تزيد قيمته علي خمسة أفدنة من الأراضي الصحراوية المستصلحة.. ويطالب د. نادر بسرعة صدور القانون الجديد لحماية أراضي الدولة شرط أن يكون مفعلا علي أرض الواقع لأن استمرار بعض الدول في تصنيع الوقود الحيوي من الحاصلات سيزيد من أزمة الغذاء العالمية.. هذه الأزمة تتوقع »الفاو« أن تستمر حتي 7102.. وهو توقع يستند إلي معطيات الوقت الراهن.. بمعني انه ربما تستمر الأزمة لأكثر من ذلك.. وهنا يكون اهدارنا لأرضنا الزراعية بمثابة الكارثة لنا.. حيث سنقع تحت طائلة تقلبات الأسواق العالمية التي نستورد منها.. ويخشي أن نقع أيضا تحت رحمة ما يسمي ب»الوجه الجديد للجوع« ومعناه أن السلع تكون موجودة ومتوافرة بالمتاجر لكن المستهلك لا يقدر علي شرائها نظرا لأسعارها المجنونة.. وبالتالي يظل الشراء مقصورا علي الأثرياء فقط!