القشة الأخيرة التي »قصمت ظهر البعير« عبارة إنجليزية انتشرت في القرن 71، وصارت مثلا في عبارة »الغريق يتعلق بقشة« ثم القشة التي اتخذت ذريعة للعراك في تمثيلية »هاملت« لشيكسبير، فالقشة كانت أقل وحدة للوزن قبل اكتشاف »الذرة«،التي وصفها الحكيم الإغريقي »ديموقريطوس« منذ 004 عام قبل الميلاد،وغير الذرة التي وردت في اللغة، وهي نوع من صغار النمل تسمي الواحدة منها »ذرة«. وغير حبة الخردل التي وردت في الاديان، وغير الذرة الكيميائية في نظرية »جون دالتون« وما بعدها من اكتشاف مكوناتها، اما القشة وحدها، فلا يعمل لها حساب، ولكن للمبالغة قيل أنها اذا اضيفت إلي حمل ثقيل، يحمله الجمل، قصمت ظهره!! ذلك ما تصوره الكاتب وقت »مشاحنة طنطا« بين قضائي ومحام، وما تلاها من محاكمة سريعة، ثم »اضراب« المحامين ومقاطعتهم لجلسات المحاكم، بلا مراعاة للتعطيل الذي لحق بمصالح المتقاضين، وكلها احداث اشارت إلي وجود شحنة حبيسة استوجبت المصارحة المحايدة لفوضي التقاضي، وإجابة علي الحقوقي الشاب الذي استفسر عن عبارة »ظهر البعير«!! فالكاتب يؤكد مخاطبة الشباب الراغبين في اتباع خطي الحقوقيين الأوائل الذين عاشوا بيننا بأعمالهم، وسيرة حياتهم، بلا مصادرة علي الرأي الحديث لإضافة ما فات سابقيهم من جوانب لم يعاصروها، ربما لم يمهلهم القدر ليكملوها، وهم الذين ارسوا قواعد راسخة، وأخري قابلة لتعديل يستحق إلحاقها بالقوانين القائمة وسببه التغير الإجتماعي والتطور العالمي. فالقاضي الحكيم يتمني أن يحكم في قضايا تستلزم فنه، وتستخرج من مخزون عقله، وهو يكره أن يضيع جهده في حسم نزاعات، ما كانت لتصل إلي عتبة قضائية لو أنها مرت في قنوات صلح مبني علي تفهم للمراكز القانونية قبل التنازع، فالمحاكم ليست مرتعا للمقامرين والمغامرين، بل مهمتها استئصال المخالفين والأشرار، وزجر الباغين والمراوغين، بدون توغل أو تخريج يقلل من مبدأ »إعمال النص خير من إهماله« أو كقول الخليفة »عمربن الخطاب«: مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. فقال المحامي الشاب: »نحن نطالب بأن يتساوي القضاة في درجة اصغائهم للمدعي، ومحاورة المدعي عليه، ومواجهتهما، وان يصبر القاضي يتجنب الغضب، ويتحلي ببشاشة تشجع المتقاضي المتهيب علي ان يعرض قضيته بصفاء فكر، وبصدق يبعده عن كذب وتضليل يفسد ادعاءه أو دفاعه. ونحن معشر المحامين نطالب بشجاعة ونزاهة، تنقية المهنة من قيادات حرضت علي اضراب أتباعها، وأشعلت الفتنة بين دعاة العدل، الذين يعملون في الأصل علي ترسيخ مباديء السلام الاجتماعي، وتنظيم سلوك أفراد المجتمع نحو بعضهم البعض. كما أننا نفرق بين الإضراب والتظاهر، وبين الاحتجاج الموضوعي المتحضر، فالإضراب عمل مؤثم قانونا، وقد استجابت له قلة من فئة تعلم العقاب عليه بالمواد 421 و 573 عقوبات، وتضاعف الحد الاقصي للعقوبة »مثلما يضاعف عقاب الطبيب الذي يسقط المرأة الحامل« إذا كان الإضراب من شأنه أن يحدث إضطراباً وفتنة بين الناس، أو يضر بمصلحة عامة، سواء بالاشتراك أو التحريض علي ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب وظيفي، حتي ولو لم تترتب عليه أية نتيجة. كما لاننسي أن نقابة المحامين هي من الجهات التي ينطبق عليها نص المادة 911/ د. مكرر، ونحن لانناشد بالتأديب أو التجريم علي إضراب تأكد بإعلان نهائه، بل نطالب بعدم صلاحية قيادات المحامين قبل ان يصبح الاضراب إدمانا، كالذي تكرر بالأمس علي باب محكمة عابدين، بواسطة جمهرة من المحامين اعترضوا علي حجرة مهداة من المحكمة لخيرة المدافعين عن الحق، وليس للذين هتفوا جهارا برد الحجرة »قبل ما تولع« مؤكدين مسئوليتهم عن فوضي التقاضي، وأن تصرفهم هو »القشة التي قصمت ظهر البعير«!!.. تمت الحلقات، وإلي اللقاء. كاتب المقال رئيس الجمعية المصرية لرعاية مرضي السكر