[email protected] كنت كثير الاسفار لامريكا لمرضي وذلك في اواخر التسعينيات.. وكنت هذه المرة في رحلة العودة عن طريق نيويورك- امستردام- القاهرة علي الطائرة الهولندية وبهذه المناسبة اود شرح خط سير الطائرة فهي تتجه شمالا بجوار كندا ثم شمال غرب حتي جنوب ايسلندا ثم اسكتلندا ثم جنوبا الي امستردام. وقد يستغرب البعض ان هذا خط طويل ولكنك اذا كنت قد درست علم حساب المثلثات الكروي فستجد ان اقصر مسافة بين نقطتين فوق كرة تقع علي دائرة عظمي وليست علي خط مستقيم.. وحجزت مكاني وكذلك حددت ما آكله كمسلم في خلال السفر ، فهذه الشركات عندما تحجز تسألك عن الاكل الذي تقدمه لك في خلال هذه الرحلة الطويلة.. فهناك المسلمون لا يأكلون لحم الخنزير. والهنود والنباتيون والاقباط في الصيام- كل له اكله الخاص. واليهود يأكلون الكوشر. وعندما احجز فسيكون الكرسي يكون علي احد جانبي الطائرة وبجانب الممر حتي لا ازعج جاري عندما اود النهوض.. توجهت للطائرة ووضعت حقيبتي اليدوية بمكانها في اعلا وانتظرت من يجاورني في هذه الرحلة الطويلة.. وكلما وجدت رجلا سمينا اتمني ان لا يكون هو رفيقي في هذه الرحلة فالكراسي ليست بهذا الاتساع الكبير. وفي هذه الرحلة كان العدد في الطائرة مليئاً ويصلون الي اكثر من 003 راكب جلست اتابع النظر للداخلين ووقع نظري علي هذا الحاخام الاسرائيلي السمين قادما ووجدته بدا ينظر الي رقم الكرسي علي تذكرته وينظر الي الكرسي الفارغ بجواري.. وهناك ظهر لي انه سيكون رفيقي في هذه الرحلة الطويلة فتنحيت له لكي يجلس. وعلي ما يظهر فإنه كان من الاشخاص الذين لم يكن قد سبق لهم التعود علي السفر خارج امريكا ووجدت في طابور الداخلين رجلا اخر توسمت انه عربي فتبادلنا النظرات والابتسامات وكلمات التحية وشعرت انه يواسيني في هذا الحظ العاثر!!. وكان مكانه خلفي.. ان نيويورك - في ذلك الوقت- كان بها عدد من اليهود يزيد عما في اسرائيل.. ولكن بعد ذلك سمحت روسيا بهجرة اليهود الي اسرائيل فهاجر الملايين اليها وكونوا حزبا شديد العنصرية. وبوضوح عرفت الحاخام بانني مصري، والواقع انني ليس لدي اي شعور كراهية مسبق لاي شخص بسبب دينه او جنسيته.. ولكن اليكم ما حدث، فعندما قدم العشاء قدموا لي ما سبق ان طلبته ولكن علي ما يظهر انه بسبب عدم خبرته قدموا له العشاء التقليدي وهنا وجدته ثائرا ومحتجا علي هذا الاكل وبدأ طاقم الضيافة يتناوبون عليه وهم يتعاملون دائما بلطف كبير وحضر اليه كبير المضيفين وبعض المضيفات يحاولون اقناعه بانه لم يطلب اي طعام خاص كما يطلبه الاخرون.. ومكثوا اكثر من نصف ساعة لاقناعه بذلك، وانتهي الامر بان ارضوه باعطائه بعض الفاكهة وعلي ما يبدو انه قبل ذلك بامتعاض شديد. كان الليل قد حل واطفئت انوار الطائرة الا لمن يرغب في القراءة فيمكنه اضاءة النور فوقه.. وتظاهرت بالرغبة في النوم ولكنه اصر علي تبادل الحديث معي- اللهم طولك يا روح! واخبرني انه مسافر لاسرائيل اول مرة، وكانت هي عبارة عن دعوة لحضور زفاف احد الاقارب،. كنت دائما احاول الا ازيد معه في الكلام، ومن حين لاخر كنت التفت للعربي الموجود خلفي فأجده واسع الابتسامة للحرج الذي انا فيه.. فأخبرته اني مستعد ابادله المكان »فاشار الي ضاحكا فيما معناه مستحيل.. مستحيل!!. وتعود بي الذاكرة في الستينيات عندما كنت ارأس لجنة لشراء ناقلة بترول صغيرة مستعملة من اوروبا علي وجه السرعة وذلك لحساب الجمعية التعاونية للبترول وذلك لخدمة القوات المسلحة لنقل السولار لقواتنا الموجودة باليمن.. وكانت هذه الرحلة تشمل عدة دول في اوروبا وكنت بحكم وظيفتي راكباً درجة اولي وفي السويد فوجئت بوجود وفد اسرائيلي كبير سيركب نفس الطائرة معنا.. وكان من ضمن هذا الوفد اسرائيلي من اصل مصري لاحظ من حديثنا مع بعض اننا مصريون. حاول بشكل ممل جدا ان يتقرب لي ويعرفني انه يود الحضور الي مصر وانه يجب ان نعيش في سلام.. ولم يذكر لي ان ذلك سيكون علي حساب الفلسطينيين. وبعد ارتفاع الطائرة للهواء حضر الي الدرجة الاولي بحجة مكالمة بعض اعضاء الوفد راكبي الدرجة الاولي ويحاول تعريفي بمن يصاحبونه ولكنني كنت معترضا علي ذلك بشكل حاسم.