كانت أجمل لحظات حياته يوم التحاقه بالمدرسة، شعر بالفخر والأمل وهو يلتقط يد والده ويسير معه إلي المدرسة في أول يوم دراسي.. عاش حالة من السعادة لا يستطيع وصفها عندما قالت له والدته «يلا يا فريد علشان تروح مع بابا تتصور علشان يقدم لك في المدرسة» هذه الكلمات كانت غريبة عليه لم يفهمها جيدا.. ولكنه كان مدركاً انها تحمل في طياتها خيرا وفرحا له.. تهندم وارتدي اجمل ثياب لديه وخرج مع والده ليبدأ اولي خطوات رحلة المستقبل.. سار وهو يتمتم بكلمات تدل علي سعادته وفرحته.. عقله أشبه بالبحر «الثائر» الذي تتلاطم فيه الامواج القادمة من كل حدب وصوب.. يتذكر الكلمات التي كانت ترددها له والدته دائما وهي ان يصبح شخصا ذا شأن في المجتمع وان يصبح مهندسا له كلمة مسموعة وسط اهل قريته.. مرت الايام وبدأ العام الدراسي في اول يوم دراسي استيقظ «فريد» منذ الصباح الباكر وارتدي الملابس التي اشتراها له والده.. وخرج ممسكا بتلابيب والده نحو مدرسته.. كان خائفا لانه مقبل علي مرحلة جديدة وسيتعامل مع اناس خارج نطاق اسرته.. ولكنه في نفس الوقت كان فرحا بهذا العالم الجديد الذي سيدخله.. مرت الايام ودارت السنين وانتقل «فريد» من مرحلة إلي مرحلة وكان في كل مرحلة يتفوق تفوقا مبهرا علي كل اقرانه وزملائه.. حتي وصل إلي المرحلة الثانوية.. وقتها انقلبت الاحوال وتبدلت الظروف.. والاب الذي كان يملأ الدنيا نشاطا وحيوية اصبح عاجزا راقدا في المنزل بعد اصابته بالامراض.. حيث كان يعمل «حدادا» يخرج في الصباح ثم يعود مساء حاملا معه كل ما يحتاجه المنزل من متطلبات.. وفجأة اصبح طريح الفراش بعد اصابته اثناء عمله في قدميه بعد سقوطه من اعلي مكان كان يعمل فيه، واصيب بكسور في قدميه ورقد في الفراش بعدها هاجمه المرض واصيب بالسرطان الذي لم يمنحه فرصة طويلة للحياة.. فاختطفه سريعا من وسط ابنائه الخمسة وكان اكبرهم «فريد» حاولت الام البحث عن عمل مرارا وتكرارا لتساعد ابناءها علي استكمال تعليمهم ولكنها فشلت امام مصاعب الحياة وقسوة البشر.. وقتها كان «فريد» بدأ يستوعب كل ما يدور حوله.. بدأ عقله يدرك انه اصبح رجل البيت بعد وفاة والده.. فأصر علي الخروج من المدرسة وعدم استكمال تعليمه وتوفير نفقات التعليم لانفاقها علي اسرته واخوته، حاولت الام معه كثيرا لاثنائه عن قرار خروجه من المدرسة ولكنها فشلت في اقناعه.. خرج من المدرسة واستكمل مسيرة والده في العمل «كحداد» في مجال البناء.. واتخد من هذه المهنة وسيلة تعويضية عن حلمه الضائع في ان يصبح مهندسا كما حلمت وتمنت والدته.. سارت الايام واصبح «فريد» رب هذه الاسرة وعمل جاهدا علي ان يعلم اخوته والا يتكرر معهم ما حدث معه ويحرم من التعليم.. وبعد مرور عدة سنوات تقدم به العمر فأصبح زواجه امرا حتميا في عُرف قريته.. وبالفعل اسند هذا الموضوع لوالدته لتبحث له عن «عروسة» مناسبة وبالفعل نجحت بعد عدة شهور في العثور عليها وتم زفافه وتزوج واثمر زواجه عن بنتين.. زادت المسئولية وتضخمت الهموم واصبحت التكاليف اكثر مما يكسبه من عمله.. ففكر في عمل مشروع صغير بجانب مهنته لينفق منه ويساعده علي الحياة اذا ما تأزمت الاعمال واصبح «الحال نايم»- كما يقول فريد- فقرر عمل غرفة صغيرة في منزل والده الذي يعيشون فيه وخصصها لعمل مشروع بقالة صغير ولكن الاموال التي كانت معه لم تكف سوي تشطيبات هذه الغرفة وتوقف حلمه عند هذا الحد. حاول ان يحصل علي قرض صغير ليستكمل مشروعه لكنه فشل بسبب البيروقراطية المزمنة التي تعاني منها الدولة.. وبمجرد سماعه عن ليلة القدر انفتحت لديه طاقة أمل جديدة وجاء مستغيثا طالبا مد يد العون له ومساعدته في استكمال حلم حياته في عمل مشروع ينفق منه علي اخوته واسرته وبناته.. وقرر ليلة القدر صرف 10 آلاف جنيه لعمل مشروع محل بقالة لفريد ليكون له طاقة أمل ويعطيه قبلة الحياة مرة اخري ويعوضه عن حلمه الضائع. مخلص عبدالحي