- إن إقامة اقتصاد السوق الاجتماعي تتطلب شروطاً سياسية محددة لابد منها هي : o أولاً : أولوية الدولة ودورها المركزي الاستشرافي الديمقراطي علي صعيد الأمن والاقتصاد والمجتمع , وعلي صعيد التدخل الاقتصادي القطاعي , وذلك لأن هناك تناقضاً يبرز بين اقتصاد السوق والتنمية الاجتماعية , وإن التغلب علي هذا التناقض يكون بأسلوبين : الأسلوب الأول : ترشيد استخدام الموارد ورفع فعالية استخدامها لمضاعفة عوائدها الاستثمارية والحيلولة دون نضوب الموارد , والتحول الإرادي عن اعتماد الموارد الضئيلة أو الناضبة قاعدة للاقتصاد والنمو والمجتمع والتنمية , وذلك بالانتقال إلي اقتصاد العلم والمعرفة والتقانة والصناعات والخدمات الجديدة. الأسلوب الثاني : رفع الإنتاجية ذلك أنه كلما ارتفعت ارتفع بالنتيجة الفائض الاقتصادي وكلما ارتفع الفائض الاقتصادي والثروة الكلية للمجتمع أمكن اقتطاع حصة أكبر منها لغايات التنمية الاجتماعية , أما عندما يكون الفائض ضئيلاً أو ضعيفاً فإنه لا يتوفر نصيب ذو شأن يمكن تقاسمه بين الاستثمار والاستهلاك. ولا يمكن تحقيق أيّ من الأسلوبين بشكلٍ عفوي , وإنما بتدخل الدولة التي عليها عندما تتبني اقتصاد السوق الاجتماعي أن تتدخل في الاقتصاد تدخلاً مركزياً فعالاً تنموي الجوهر والغاية وديمقراطي الشكل المنهجي لإعادة توزيع الدخول وتعظيم الثروة. o ثانياً : توسط الدولة وتوليفها سياسياً واقتصادياً بين المصالح الخاصة الفئوية والأحزاب السياسية والحركات والجمعيات المرتبطة بأيديولوجية السوق ونظامه , وبين المصالح الأخري الاجتماعية المقترنة بالتنمية الاجتماعية. إن قيام نظام الرفاه الاجتماعي يتطلب التزاماً متبادلاً بين الطبقات الاجتماعية والفئات الاقتصادية والنقابية والمهنية باعتبارها ركناً أساسياً من الأركان المؤلفة لاقتصاد السوق الاجتماعي بإشراف الدولة وعلي قاعدة سلطتها الوطنية ودورها المركزي السياسي والاقتصادي والاجتماعي. o ثالثاً : تطبيق الديمقراطية التعددية التنافسية الملتزمة بالوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية المؤسسة علي تعددية اجتماعية , والمنتجة لنظام تفاوضي تعاقدي يجمع الأطراف الاجتماعية ذات المصالح المتباينة , ويضبط نزاع المصالح الاقتصادية بين العمال وأصحاب الشركات بحيث يتحقق التوافق عبر تسويات ضرورية مقننة ودورية , فالتنمية تستلزم القيام بتنمية اقتصادية مترافقة مع نشاط سياسي , علي الدولة القيام بمبادرات لتحسين العلاقات السياسية بينها وبين المواطنين وبين الأطراف المختلفة , وتحقيق التوازن بين القوي السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة , وأن يكون الهدف من المبادرات الانفتاح السياسي وتعزيز الديمقراطية وتشجيع الاستثمار والنشاط الاقتصادي. - و يلزم لتحقيق الشروط الثلاثة السابقة تقوية حكم القانون في المجتمع , فوفقاً لمدرسة شيكاغو فإن وظيفة القانون أن يشجع التخصيص الفعال للموارد التي يملكها المجتمع نحو الأنشطة الانتاجية من خلال المؤسسات العامة والخاصة من أجل زيادة الثروة الكلية في المجتمع , وللقانون دور هام أيضاً في زيادة الكفاءة الاقتصادية وتحقيق العدالة وذلك من خلال محاربته للفساد بكافة صوره , وتقوية حكم القانون تكون من خلال توفير المؤسسات القوية والتشريعات الملائمة , وخلق آليات لتنفيذ القانون وزيادة قوة العقود والرقابة الفعالة ومحاربة الجرائم بكافة أنواعها.