شعب السودان شماله وجنوبه يقبل الآن علي لحظة فارقة في تاريخه منذ الاستقلال في يناير 6591، اليوم يصوت الجنوبيون علي الاستفتاء حول تقرير المصير، هل يبقون في السودان الموحد الكبير الذي تحت مظلته يجتمع السودانيون منذ أكثر من خمسة عقود. أم يقررون الانفصال وتكوين دولة جديدة، حتي لو كان ذلك يمثل اتجاها عكس ما تنشده شعوب افريقيا من التوحد والاندماج. الأمل طبعا هو ان يصوت الجنوبيون لصالح الوحدة لمزاياها العديدة مع ضرورة تغيير ظروف حياتهم وحصولهم علي كل حقوق المواطنة. ولكن الأمل وحده لا يكفي، اذ تدل كل الظواهر ان غالبيتهم سيصوتون للانفصال. لا تصدق كل الخبراء والمحللين والسياسيين والكتاب الذين يتبارون الآن للكتابة عن هذا الموضوع وأصبحت شخصيا الآن لا أصدق أيا منهم مهما كانت خبراته إذ لا يستطيعون القطع بما سيحدث من تداعيات. ما سيحدث سيتم ولا داعي للبكاء علي اللبن المسكوب ولكن علينا جميعا ان نتكاتف مع شعب السودان، ولازلت أقول وأؤكد شعب السودان، شماله وجنوبه لتجاوز هذه الفترة بهدوء وعدم الاندفاع وراء عمليات الإثارة والتحريض التي تسعي لها بعض القوي الدولية والإقليمية وللأسف بعض القوي السودانية نفسها. هل يمكن تغليب العقل علي العاطفة؟ هذا ليس بالأمر السهل، مهما دعوت إلي تحكيم العقل فان العواطف جياشة إذا لا يعقل ان تطلب من أي سوداني الا تجيش به العواطف وهو يري جزءا من بلاده يتجه نحو الانفصال، ولكن الشعوب العاقلة هي التي تنظر إلي المستقبل وتحاول باللحمة الوطنية ان تتصدي لدعاوي الفرقة والانهزامية والا تستجيب -كما يحدث عادة- لدعوات العثور علي كبش فداء تحمله كل المسئولية عن هذا الانفصال. للأسف بدأت مبكرا في شمال السودان بوادر مثل هذا الاتجاه من دعوات إلي اسقاط الحكومة والعصيان المدني بل وأصوات -حتي لو خافته حتي الآن- تنادي بانفصال مناطق اخري من السودان. طبعا المسئولية الأولي هي لشعب السودان نفسه، لان اطرافا دولية وإقليمية لا تريد حتي بعد انفصال الجنوب ان يبقي السودان بلدا كبيرا يجمع قوميات متعددة ويظل أكبر دولة في افريقيا ويستطيع ان يقوم بدور كبير بامكانياته الهائلة في العالمين العربي والافريقي. كل هذه القوي التي لا تريد خيرا للسودان ستركز جهودها المخربة علي دارفور وسينضم إليهم اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة، واخشي ان تنجرف معهم بعض أحزاب شمال السودان الذين يتبارون الآن فيما بينهم علي من يستطيع منهم اسقاط الرئيس البشير وحكومته. الرئيس البشير نفسه اعلنها صراحة وعدة مرات وبصوت عال انه لن يعرقل قيام الجنوبيين بالتصويت في استفتاء تقرير المصير تطبيقا لاتفاقية السلام الشامل في السودان وسيقبل النتيجة مهما كانت. كان ذلك ردا علي الدعاوي التي ترددت كثيرا في الولاياتالمتحدة وأوروبا بصفة خاصة بانه سيعمل علي الغاء الاستفتاء أو تأجيله أو عدم الاعتراف بنتيجته. أكره المواعظ ومحاولة إعطاء النصائح، ولكن أرجو من كتابنا المصريين الا يصبون الزيت علي النار أو ينضمون إلي كوكبة البطائين علي ما حدث ومحاولة القاء بعض اللوم علي مصر بأنها لم تفعل الكثير من أجل الابقاء علي وحدة السودان بدعاوي حماية الأمن القومي المصري. وأشهد الله وقد عاصرت شئون السودان لعشرات السنين ان مصر قامت بالكثير والكثير جدا وتحملت أيضا الكثير ولكنها لا تستطيع ان تفرض علي السودانيين أنفسهم حلا لا يؤيدونه ولا يلتفون حوله. وبدلا من ذلك يجب ان نسعي جميعا للعمل علي قيام علاقات وثيقة بين الجنوب والشمال لمصلحة الجميع فما بينهما أكثر ما يفرقهما. ولعل زيارة الرئيس مبارك الاخيرة للخرطوم واجتماعه مع الرئيس البشير وسلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان تصب في هذا الجهد المصري الدءوب والعاقل وغير المندفع وراء العواطف. كاتب المقال : أمين عام الجمعية الافريقية