في اجتماع قريب كنا نتحدث عن معني «ناشط سياسي» والذي يستخدمه الكثيرون في الظهور في وسائل الإعلام، ومعظمهم لا ندري ماهي مؤهلاتهم السياسية أو حتي العلمية أو المهنية لانتعال مثل هذا التوصيف نظرا لطبيعة عملي كأستاذ لإدارة الموارد المائية بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، فإنه تجمعني اجتماعات غير منتظمة مع الأساتذة الزملاء بقسم الري والهيدروليكا، وتلاميذنا من شباب أعضاء هيئة التدريس، وبعض الأصدقاء من خارج القسم في تخصصات في الجيولوجيا والهندسة الإنشائية والقانون الدولي والاقتصاد والعلوم السياسية، وذلك للدردشة وتبادل الآراء حول أوضاع البلاد بصفة عامة وحول المشاريع والقضايا المائية بصفة خاصة. وفي اجتماع قريب كنا نتحدث عن معني «ناشط سياسي» والذي يستخدمه الكثيرون في الظهور في وسائل الإعلام، ومعظمهم لا ندري ماهي مؤهلاتهم السياسية أو حتي العلمية أو المهنية لانتعال مثل هذا التوصيف، والحقيقة أننا لم نصل إلي توافق حول كينونة هذا اللقب هل هو وظيفة أم لقب أكاديمي أم منحة شخصية أو من جهة سيادية أو سياسية أم لقب حزبي جديد. ولكن عموما اتفقنا علي أنها منحة ربانية وقعت علي رؤوسنا كعطية من الدول الغربية لتطوير مصر وتحديثها باستخدام أحدث الوسائل الديموقراطية، ولكن لم نهتد إلي تعريف أو حتي تفسير للمسمي أو إلي أي معايير مهنية أو علمية لتقديمه بهذا المسمي. ووجدنا نوعا آخر من النشطاء ولكن في مجال قضايا المياه القومية، ولكن قبل أن استرسل عن هؤلاء النشطاء الجدد أود أن أوضح أن علوم المياه من أكثر العلوم تعقيدا، وتخصصاتها متفرعة وعديدة. مثلا، علوم المياه الجوفية تشمل تخصصات مختلفة مثل الهيدروجيولوجيا، والجيوفيزيقا، والهيدروليكا، والهندسة البيئية، والطبقات السطحية من الأرض غير المشبعة من المياه. ومثلها علوم المياه السطحية تخصصاتها عديدة من هيدروليكا الأنهار، والهيدرولوجيا الطبيعية، والهيدرولوجيا الاحصائية، والتغيرات المناخية. وتخصصات السدود متنوعة مابين الهيدرولوجيا الاحصائية والطبيعية، وهيدروليكا السدود، والتصميم الانشائي، والطاقة الكهرومائية، والجيولوجيا والتركيبات الجيولوجية. وهكذا بقية التخصصات وعادة ما يشارك كوكبة من العلماء من التخصصات المختلفة في معظم المشاريع والدراسات المائية. وينتشر في معظم وسائل أعلامنا المرئية والمسموعة والمقروءة من هم خارج التخصص ويفتون في القضايا القومية. نجد مثلا فتاوي حول سد النهضة ممن يجهلون حتي مامعني سد مائي ومكوناته مكتفيين ببعض البيانات المنشورة عن مواصفات السد، ويجهلون تاريخ ملف حوض النيل وقضاياه، ويجمعون القصاصات من هنا وهناك، ويفتون وينصحون وينتقدون ويوجهون. وهناك العشرات يتحدثون عن المخزونات الجوفية الهائلة المتوافرة في البلاد وملايين الأفدنة التي يمكن اصلاحها علي الخزان النوبي. وأنقل هنا عن أحد نجباء مصر في المياه الجوفية الدكتور رضا الدمك الأستاذ بكلية الهندسة جامعة القاهرة، حيث قال إن معظم الخزانات الجوفية في مصر تعاني من انخفاض مناسيب المياه بها، وخاصة الخزان الجوفي النوبي، وأوضح سيادته أن الضاغط المائي لهذا المخزون انخفض أكثر من مائة متر خلال الخمسين سنة الماضية نتيجة فقط لزراعة مساحات محدودة لا تزيد علي عشرات الآلاف من الأفدنة في واحات الداخلة والخارجة وباريس والفرافرة. وأشار الدكتور الدمك أيضا إلي مشاكل الصرف الزراعي المتراكمة في هذه الواحات، تجد من المساحات الممكن استصلاحها وتتطلب ادارة رشيدة للمخزون الجوفي.وتساءل سيادته كيف يمكن اصلاح مليون فدان علي المياه الجوفية في سنة واحدة، حتي لو كانت المياه الجوفية متوافرة في الخزان النوبي. وشرح سيادته أن الآبار في هذا الخزان عميقة مابين 700-1000 متر، وأنه هناك ثلاث شركات في مصر هي التي تملك الامكانيات الفنية من معدات وفنيين لحفر مثل هذه الآبار، وأن قدراتهم مجتمعة لن تتعدي 150 بئرا في السنة وذلك اذا حالفهم التوفيق، وبما يكفي لاستصلاح 150000 فدان علي أقصي تقدير. وهناك مشروع آخر وهو مشروع نهر الكونغو والذي تصدت له العديد من وسائل الاعلام، حتي إن بعض البرامج عرضت تلافظ مابين مؤيد ومعار ض للمشروع، والوزارة المسئولة في الدولة وهي وزارة الري لم يصدر عنها حتي تاريخه بيان يوضح للشعب هل هذا المشروع حقيقة أم خيال.أتوجه بالرجاء إلي معدي ومقدمي البرامج التليفزيونية والإذاعية والذين عليهم أن يقرأوا علي الأقل السيرة الذاتية لأي متحدث قبل استضافته. ان استضافة هؤلاء المدعين من نشطاء المياه يجبر الملايين من المواطنين علي الاستماع إلي الفتاوي الخاطئة والرؤي المضللة ويفسد الوعي الشعبي بقضايا مصر الحيوية.