البيروقراطية لا تفتح الباب للفساد فقط، ولكنها تدفع المواطنين لكراهية الحكومة والبلد وأنفسهم.. وسمعتُ مَن يرفع عقيرته بالسباب والصراخ ويلعن اليوم الذي جاء به للمرور!!.. تقويض دولة الفساد يبدأ بنسف البيروقراطية.. حينئذ لن نُضطر إلي دفع رشوة أو البحث عن واسطة لإنجاز معاملاتنا.. وسأحكي باختصار شديد تجربة شخصية مؤلمة خضتها لترخيص السيارة، وعندما تكون هذه التجربة في مرور فيصل، وكر البيروقراطية والبلطجة الذي تقرر نقله إلي منطقة اللبيني بالهرم، فحدث ولا حرج!!.. في طابور السيارات الطويل، جاء من يطلب «حسنة» تنظيم الطابور، ثم مر بي أكثر من شخص ليساومني علي تخليص الاوراق واستخراج الرخصة مقابل 250 جنيهاً.. رفضتُ العرض المُريب خاصة أنني لم اقبل تطوع بعض الزملاء بالتوسط لدي وكلاء نيابة أو ضباط كبار يمكنهم إنهاء إجراءات الرخصة دون عناء!!.. سارت الامور علي ما يرام حتي وصلتُ إلي المهندس الذي سيعتمد البصمة ويختم الاوراق.. وهنا تململ الرجل ذو اللحية الطويلة والزبيبة البارزة، ونظر حول نفسه اكثر من مرة ثم عاد ونظر في الاوراق، قائلا «ولكن سنة الصنع ليست مكتوبة في شهادة البيانات» فقلتُ له إنها مكتوبة في الخطاب المرفق، فرفض بتردد وأحالني إلي ضابط برتبة رائد يتعامل مع الناس بعجرفة وتأفف كما لو كان «إلهاً»!!.. قال لي لا بد من العودة لإدارة مرور الجيزة في بين السرايات لتسجيل سنة الصنع بالشهادة.. وحاولت أن اشرح له ان الامر واضح في الخطاب المرفق وان هذا خطأ زميله وعليه تصحيحه، نظر إليّ شزراً ونصحني بألا اضيع وقته ووقتي!!.. وهنا أسقِط في يدي وأحسستُ بقهر رهيب فكرت معه في العودة للبيت، وربما لو كان معي قنبلة أو زجاجة مولوتوف لفكرتُ في تفجير السيارة ووحدة الفحص معاً!!.. وعندئذ ظهر وسطاء الفساد «لتخليص المسألة» بعد دفع المعلوم طبعاً، ولكني قررت اللجوء إلي قائد مرور فيصل الذي كان اكثر من زميله في «التعقيد وضيق الافق».. عرفته بنفسي قائلاً «إنني لا أحب الواسطة ولكني صاحب حق وعليكم تحمل أخطائكم».. وللحق فإن الرجل كان بشوشاً ولكنه تمسك بالروتين واعطاني ورقة لضابط بالإدارة سخر من «تعقيدهم الامور» وصحح الخطأ لأعود إلي «وكر» فيصل.. مكان عشوائي وقذر ويؤكد كل ما فيه ومَن فيه أنك أمام منظومة متخلفة وفاسدة.. طوابير طويلة وغير منظمة.. بطء مروع رغم استخدام اجهزة الكمبيوتر، ولكنها اجهزة قديمة ومتهالكة وكثيرة الاعطال.. ورغم شرائك «دوسيه» لحفظ الاوراق منذ البداية يُطلب منك حافظة جلدية ب12 جنيها، وهذا اجراء مستحدث وربما «سبوبة»!!.. والبائع ليس معه فكة دائما، ولأنك مستعجل «وقرفان» ستضطر لترك بقية ال15 جنيها.. وهذه «السرقة العلنية» تتكرر كثيراً ف»الطفاية» ب147 جنيها ونصف؟!.. ولا أدري لماذا لا تكون 150 فتستفيد الدولة بدل اللصوص!!.. لا حديث للناس في المكان إلا عن الرشوة التي اضطروا لدفعها للأمين الفلاني والموظف العلاني عشان «يسلك» الامور!!.. البيروقراطية لا تفتح الباب للفساد فقط، ولكنها تدفع المواطنين لكراهية الحكومة والبلد وانفسهم.. وسمعتُ مَن يرفع عقيرته بالسباب والصراخ ويلعن اليوم الذي جاء به للمرور!!..وهنا يثور اكثر من سؤال.. لماذا لا نفصل المرور عن الداخلية ونسنده لمفوضية مستقلة حتي نيسر علي المواطنين ونرحمهم من عجرفة وتجبر بعض الضباط ؟!!.. ولماذا لا نستخدم الانترنت لإنجاز كل خطوات الترخيص أو معظمها؟!!.. ثم ما المانع من نقل أماكن التراخيص إلي الصحراء الواسعة وزيادة الموظفين بحيث لا يستغرق استخراج الرخصة أكثر من ساعة حتي ولو رفعنا اسعار الرسوم بنسبة معقولة؟!!.. الغريب انه مع كل هذه التعقيدات فإن هناك من يحصلون علي رخص جاهزة وهم في بيوتهم دون تعليم او تدريب أو اختبار، وذلك هو السبب الاول لمعدل حوادث السيارات الرهيب الذي تسبق فيه مصر كل دول العالم المتقدم والمتخلف!!.. بيروقراطية المرور أهم أبواب الفساد ويتعين إغلاقها بالضبة والمُفتاح!!..