قبل سنة وعند الإعلان عن اتفاقية تصدير الغاز من إسرائيل إلي مصر صرح وزير البني التحتية الإسرائيلي السابق ديفيد بن اليعازر تشجيعاً للاتفاقية بأنه ينبغي تسهيل حصول مصر علي الغاز من اسرائيل مقابل سماحها باستفادة تل أبيب من مشروع تسييل الغاز في دمياط. هكذا تنكشف الأطماع الإسرائيلية التي لا تنتهي في استغلال موارد مصر إن لم تستطع حرمانها منها تماماً. لعل هذا التصريح يفسر التقبل الإسرائيلي الهادئ لتصاعد الدعاوي الشعبية في مصر إبان ثورة يناير بوقف تصدير الغاز إليها وبضرورة مراجعة بنود اتفاقية تصدير الغاز المصري الواردة في اتفاقية كامپ ديڤيد علي الأقل لتحديد أسعار اكثر عدلاً للجانب المصري، وذلك علي عكس استقبالها الصاخب للمطالبات بمراجعة البنود الأمنية لاتفاقية كامپ ديڤيد. كما يفسر أيضاً تقبلها الهادئ والصبورلانقطاع تدفق الغاز المصري إليها بعد الاعتداءات الإرهابية المتكررة علي خطوط تصدير الغاز بالعريش. ولاعجب في ذلك, فالدولة العبرية لم تعد في حاجة لاستيراد الغاز المصري, بعد إعلانها عن عدد من الاكتشافات لحقول غاز في البحر المتوسط مشكوك في صحة ملكيتها لها أشهرهم حقلا تامار, وليڤياثان. لقد حولتها هذه الاكتشافات من مستوردة إلي منتجة للغاز، بل باتت هي التي تصدره لنا وللأردن وتعقد الصفقات لتسويقه في العالم وتطمح في الوصول بغازها إلي الصين. الملاحظة الجديرة بالاهتمام انه في كل مناسبة يدور الحديث فيها عن الغازالطبيعي بمنطقة شرق البحر المتوسط تجد لإسرائيل ذكراً ما. وفي كل حديث عن الثروة الجديدة المتفجرة من تحت مياه البحر وأثرها علي تغيير الخريطة الچيو - سياسية لمنطقة الشرق الأوسط تجدها طرفاً إما في صراع مع محيطها (لبنانوتركيا مؤخراً) أوحاشرة نفسها في تعاون جديد(مع الأردن والشطر الشمالي من قبرص التركية) أو منسحبة من تحالف قديم (تركيا مؤقتاً). لذلك لم يكن غريباً أن ترحب الدولة العبرية بالاتفاق التاريخي الذي تم مؤخراً بين مصر وكل من اليونان وقبرص حول زيادة التعاون بينهم في مجال الطاقة. لهذا الترحيب أسباب عديدة منها ما هو علي المستوي الثنائي مع مصرلضمان استمرار القاهرة كزبون للغاز الطبيعي الإسرائيلي ولتلافي أي محاولة لمنازعتها علي المنطقة التي تحتوي علي حقول الغاز التي اكتشفتها أو المطالبة بإعادة ترسيم الحدود البحرية كما هو حاصل في الأعوام الأخيرة مع لبنان. ومن الأسباب ما هو علي الصعيد الإقليمي لتعزيز تعاونها القائم مع كل من اليونان وقبرص الجنوبية وتشكيل ما يشبه المحور الرباعي بإضافة مصرنكاية في تركيا حليفتها الاستراتيجية السابقة بعد أن توترت علاقتهما لأسباب سياسية طارئة منها العدوان الإسرائيلي علي غزة وحصارها وعلاقة تركيا بحركة حماس. في نفس سياق النكاية في تركيا يأتي تعاون تل أبيب مع الشطر الشمالي التركي من قبرص التي لا يعترف بها أحد في العالم سوي أنقرة وسعيها الحثيث لدفع جهود المصالحة بين شطري قبرص لقطع الطريق أمام أي محاولة تركية لمنازعتها في حقوق التنقيب عن الغاز ومشاركتها في عوائده, لاسيما وهي تعلم أن القانون البحري الدولي وفق اتفاقية عام 1982يدعم الحق التركي الأصيل في المنطقة البحرية لكنه انتقص من هذا الحق عندما ضمت الاتفاقية المشارإليها اليونان إلي المنطقة التي كانت حقاً خالصا لمصر وتركيا فقط. ولأن أنقرة كانت مرشحة قبل التوتر الأخير بينهما لتكون أهم مستورد للغاز الإسرائيلي كونها أكبر مستهلك للطاقة بالمنطقة, فإن هذا سبب إضافي يثير شهية تل أبيب لمناكفة تركيا.