أفضل ما كنا نتمناه أن يسفر استفتاء تقرير مصير جنوب السودان تعزيز وحدة بلدنا، ولقد كان ذلك متاحاً، ولقد نصت اتفاقية السلام الشامل علي ذلك ودعت الشريكين - المؤتمر الوطني والحركة الشعبية- للعمل من أجل جعل خيار الوحدة راجحاً، إلا أن ظروف وعوامل كثيرة توالت أضعفت خيار الوحدة، وجعلت الراجح وبدرجة كبيرة أن يقود تقرير المصير إلي فصل الجنوب عن الشمال. وبرغم أنه مازال هناك أمل في أن يتراضي الشريكان علي معادلة تجعلهما يدفعان في اتجاه الوحدة، إلا أن نسبة ذلك ضعيفة جداً، ثم أن مثل هذه الوحدة لو تحققت سوف تكون مثل الانفصال، هذا غير أن ما تهيأ له الناس من انفصال في الجنوب والشمال معاً يمكن أن يجعل من هذه الوحدة التي قد يحققها اتفاق سياسي بين الشريكين في اللحظات الأخيرة محفوفة بالمخاطر، وقد تواجه رفضاً شعبياً، وهذا قد يفقدنا الأصل، وهو السلام. ويضاف إلي ذلك أن المنطق يجعلنا نتهيأ لأسوأ الاحتمالات ونضع له الترتيبات اللازمة، ولن يوجد خيار أسوأ من أن ينقسم السودان إلي دولتين، ولكن هذا هو الذي صار متاحاً ويجب أن نتعامل معه بموضوعية. وفي ظل هذه المعطيات فيجب أن يتوجه كل الجهد نحو ترسيخ السلام في كل الحالات التي تنجم عن الاستفتاء. ولأن الانفصال أصبح هو الأقرب للواقع، فإن الجهد والفكر ينصب حول العلاقة بين الدولتين الناشئتين عن الانفصال. وليس هناك خيار سوي أن تكون العلاقة بين هاتين الدولتين علي أحسن ما تكون العلاقات بين الدول. وبرغم أنه قد مرت فترة أثارت مخاوف كل المشفقين، وهي الفترة التي وصل فيها التراشق بين الشريكين قمته، وصار يتبادلان الاتهامات، ويكيد كل منهما للآخر، إلا أن الأمور عادت إلي طبيعتها مؤخراً، وصدر العديد من التصريحات المبشرة. ولقد أدخل خطاب السيد رئيس الجمهورية السرور في صدور كل أهل السودان من جنوبيين وشماليين، وكذلك أشقائهم في كل دول العالم العربية والأفريقية وغيرها، وهو القول الذي أكد فيه حميمية العلاقة بين الجنوب والشمال، وهي علاقة لن تتأثر بالانفصال، وأضاف الرئيس البشير أن الجنوبيين إذا اختاروا الانفصال وكونوا دولة خاصة بهم، فإن الشمال سوف لن يكتفي بالاعتراف بالدولة الجديدة، وإنما سيقف معها بكل إمكاناته، ويمدها بخبراته التي تعينها علي النهوض. وهذا هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن يسود بين الدولتين في حال الانفصال. ولقد عزز الدكتور نافع هذا الاتجاه الايجابي في حديثه الأخير في الذكري الخامسة والخمسين لاستقلال السودان، ولحديث نافع أهمية خاصة، ليس لموقع الرفيع في الحزب والدولة فحسب، ولكن لأن دكتور نافع معروف عنه الصراحة والوضوح، وأنه يختلف عن سياسيين كثيرين يظهرون ما يبطنون، ثم أنه محسوب من المتشددين، وكان أكثر من يواجه صقور الحركة الشعبية من محسوبي المؤتمر والحكومة، فعندما يقول الدكتور نافع إن الجنوب إذا انفصل عن الشمال، فإن العلاقة التي سوف تنشأ بين دولتي الجنوب والشمال لن تكون هناك علاقة بين دولتين في الدنيا تماثلها في القوة والمتانة والتعاون، فإن ذلك يسعد كل السودانيين وكل من يهمه أمر السودان. وأدني ما يقبله السودانيون ألا يتجاوز الانفصال أبعاده السياسية، وتظل كل الأواصر الرابطة بين أهل الجنوب وأهل الشمال قائمة، وما أكثرها، وفي هذه الحالة فإن قيام دولتين لن يفصل شعب السودان وبلده، وسوف يظل البلد واحدا وكذلك الشعب، ولكنهما منفصلان في دولتين متمايزتين سياسياً ودستورياً. ومثل هذه الأقوال الإيجابية الأخيرة تعزز من هذا الاتجاه وتقويه. وفي ظل هذه العلاقة الطيبة التي نرجو أن تقوم بين دولتي الشمال والجنوب حال الانفصال، فإن فرص حل كل القضايا الخلافية سوف تكون كبيرة. وهذا يحتاج أن ندعمه بقوانين ومواثيق تؤكد هذا التواصل الحميم. وأراه لازماً مراجعة الأقول السابقة الرافضة للحريات الأربع بين الشمال والجنوب حال الانفصال. وأعتقد أن تبادل حريات التنقل والاقامة والعمل والتملك بين الجنوب والشمال، هو المدخل الرئيسي لقيام مثل هذه العلاقة المتينة التي ننشدها، وبشرنا بها مسئولون نافذون في الحكومة بقيادة السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير.