نشرت الصحف المصرية خلال هذا الأسبوع عدة أخبار عن استعداد الحكومة « لخوض معركة شرسة داخل أروقة المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، غداً الأربعاء، حيث تستضيف المنظمة الدولية جلسة مراجعة دورية لأوضاع حقوق الإنسان لعدد من الدول علي رأسها مصر، حيث سجلت 125 دولة حتي الآن رغبتها في توجيه أسئلة وتوصيات إلي مصر، فيما كانت 51 دولة فقط قد طلبت ذلك في 2010، وهي آخر مراجعة لحالة الحريات فيها. وتدور الأسئلة الموجهة لوفد مصر عن مدي التزامها بآليات ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية، وعقوبة الإعدام، والخطوات المتخذة لمنع التعذيب والاستخدام المفرط للقوة، والتمييز ضد المرأة، واستقلال القضاء، وحرية التجمع والتنظيم والتعبير، والتعاون مع الهيئات الدولية لحقوق الإنسان.» والحقيقة أن موضوع حقوق الإنسان في العلاقات بين الدول هو من أكثر الموضوعات إثارة للجدل من ناحية، وللشك في دوافعه وأهدافه من ناحية أخري.. وبصفة عامة، فإن هناك ثلاث ملاحظات يمكن إيرادها في هذا الخصوص: أولاً: إن ورقة حقوق الإنسان بشكل عام تعتبر «ورقة تفاوضية» يتم استخدامها عادة في حالة التنازع من أجل الوصول إلي «صيغة توافقية» بين الدول، أكثر منها قضية حقيقية تهتم بها الدول.. هو موضوع «جر شكل» و«فتح كلام» أكثر منه قضية وجودية بالنسبة لكثير من الدول.. وتستخدم بعض الدول هذه القضية كأداة ضغط، أو كمجال للتفاوض، أكثر منه كأداة لترسيخ هذه الحقوق.. حقوق الإنسان لا تعني كثيرا من الدول أو الأنظمة السياسية، وعلي رأسها الدول الراسخة في الديمقراطية.. ولعلنا نتذكر مقولة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا، فلا تحدثني عن حقوق الإنسان».. وممارسات الولاياتالمتحدة نفسها فيما يتعلق بحقوق بعض الأقليات فيها، أو المظاهرات التي تحدث في شوارعها.. ثانياً: إن القوة الاقتصادية وبروز الدولة علي مسرح الاقتصاد العالمي بينها وبين إثارة موضوع حقوق الإنسان علاقة عكسية.. كلما زادت قوة الدولة اقتصادياً ونفوذها علي المسرح الدولي قل معدل إثارة قضية حقوق الإنسان فيها.. ولو تم إثارة هذه القضية فمن قبيل ذر الرماد في العيون أكثر من كونها قضية حقيقية.. الصين هي أكثر الدول انتهاكاً لقضايا حقوق الإنسان من وجهة النظر الغربية، ولكن لا تجرؤ أي من هذه الدول، وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، أن تحرك ثابتاً فيما يتعلق بالصين.. في مقدور الصين أن تجعل الولاياتالمتحدة تشهر إفلاسها في ليلة واحدة.. تستطيع الصين أن تتسبب في انهيار كثير من الدول في غمضة عين.. الصين هي الاقتصاد الأكبر في العالم، وهي صاحبة الكعب العالي في هذا المجال.. لذا، فمن الصعب أن تأخذ انتقادات بعض الدول لحقوق الإنسان في الصين علي محمل الجد، الموضوع عادة ما يكون « كدة، وكدة «.. ثالثاً:إن وسائل الإعلام قد يكون لها دور في هذا المجال.. يضيق ويتسع وفقاً لمتغيرات عديدة.. وسائل الإعلام هي التي تسلط الضوء علي التجاوزات التي تحدث في مجال حقوق الإنسان.. ووسائل الإعلام هي التي ترقب مؤسسات الدولة في تعاملها مع هذه القضايا.. ووسائل الإعلام هي التي تعكس تطور الدولة في هذا المجال.. ومضامين وسائل الإعلام هي ما يتم تحليله أحياناً للوقوف علي الاتجاهات العامة في المجتمع.. ومن ثم، فإن الدور الهام لوسائل الإعلام في هذا المجال هو أن تكون « أداة حق» في كشف التجاوزات، وليست « أداة تسخين».. وسائل الإعلام في مصر تستهويها لعبة التسخين، ويعجبها نبرة الصوت العالي في الحديث عن تجاوزات حقوق الإنسان في مصر.. وسائل الإعلام في مصر ينقصها أحياناً إدراك أبعاد المسئولية الاجتماعية في تعاملها مع القضايا التي يكون لها مردود دولي، كقضايا حقوق الإنسان.. وأخيراً، فإنه يجب ألا يزعجنا هذا العدد الكبير من طلبات الأسئلة التي تقدمت بها كثير من الدول لتوجيهها إلي مصر.. فمصر بعد ثورة 30 يونيو في مرحلة تعارف جديد مع العالم، ومن الطبيعي أن يسعي كثيرون للاستفسار عن أحوالها.. استفساراً لا استنكاراً، ومحاولة للتواصل وليس للقطيعة..