استقبلنا العام الجديد بكارثة كان معظمنا يستبعد وقوعها، رغم كل ما سمعناه من تهديدات أكتوبر 0102 منسوبا إلي ما يسمي ب »دولة العراق الإسلامية« الموالية لتنظيم القاعدة في أعقاب ما ارتكبه هذا التنظيم الإجرامي الإرهابي من هجوم علي كنيسة في بغداد كان بداخلها العشرات من المسيحيين العراقيين الذين أصبحوا مثل غيرهم من باقي الأديان والطوائف هدفا لعملاء هذا التنظيم! لم يخف تنظيم بن لادن تورطه في قتل المصلين داخل كنيستهم. بل سارع معلناً تبنيه جريمته، مضيفا عزمه علي مواصلة هجماته ضد العراقيين المسيحيين حتي آخر مواطن ما لم يبادروا بمغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن! لم يكتف المجرمون المتوحشون بما ارتكبوه ضد عراقيين مسالمين وآمنين في بلادهم، وإنما هددوا أيضا كل المسيحيين في الدول العربية، بصفة عامة، وفي مصر، بصفة خاصة، باعتبارهم: »أهدافا مشروعة للمجاهدين«! وبالنسبة لمصر.. أعطوها مهلة لا تتجاوز ال 84 ساعة لإطلاق سراح سيدتين مصريتين قيل انهما اعتنقتا الإسلام وقامت الكنيسة باختطافهما واحتجازهما داخل أحد الأديرة، وهو ما نفته أجهزتنا الأمنية ألف مرة ومرة. في البداية.. انزعج معظمنا من هذا التهديد المرفوض من المصريين جميعهم، واحتطنا بالتعزيزات الأمنية المكثفة حول كنائسنا، ضمن ما وصفه آنذاك الخبير الأمني المصري: »سامح سيف اليزل« بأن الأمن يتعامل مع تهديد القاعدة بجدية شديدة، مع إقراره بوجود احتقان طائفي في مصر، إلا انه أي الخبير الأمني يستبعد أن تتمكن القاعدة من استهداف الكنائس المصرية. وتأكد هذا الاستبعاد.. بعد انتهاء مهلة اليومين التي حددها الإرهابيون للمصريين دون أن ينفذوا تهديدهم. المفجع ان تنظيم القاعدة.. لم يتراجع، ولم يسحب ما سبق أن أعلنه المتحدث باسمه الذي سمعنا، آنذاك، صوته ولم نر صورته ولا نعرف اسمه مهدداً مسيحيي الشرق الأوسط، قائلا: [إن جعلتم كنائسكم سجوناً للمسلمات فسنجعلها مقابر لكم بإذن الله »..«، ولن تكون النهاية بقتل رهائن الكنيسة العراقية فحسب، بل ستفتحون علي أبناء ملتكم باباً لا تتمنونه أبداً ليس في العراق فحسب بل في مصر، والشام، وسائر بلدان المنطقة]. أقول: إننا بمرور ثلاثة شهور نسينا كل ما سمعناه وانزعجنا منه ونددنا به في أعقاب اقتحام كنيسة بغداد أكتوبر 0102 واحتجاز المصلين فيها ثم قتلهم وحرقهم بدم بارد متجمد. ثم صعقنا، ولانزال ليلة رأس السنة الميلادية أن القتلة لم ينسوا ما نسيناه، واستبعدناه. قام الإرهابيون ليل الجمعة/ السبت بتفجير سيارة أمام كنيسة القديسين في الاسكندرية أسفر عن سقوط 12 قتيلا وعشرات الجرحي من بين مئات المصلين أثناء مغادرتهم الكنيسة. الجريمة مروعة. والتنديد بها لن يخفت خلال الأيام العديدة القادمة. ورغم ان ما من جهة أعلنت حتي الآن عن هويتها ومسئوليتها عنها، إلا ان المؤشرات تشير إلي التنظيمات الإرهابية بدءاً بالقاعدة الرئيسية في داهية موجودة مروراً علي فروعها في العراق أو غيرها القريبة منا أو البعيدة عنا. وإذا ثبت ذلك فلا يعني أننا نواجه خطراً خارجياً لا نملك مواجهته أو التصدي له. ولا يعني في الوقت نفسه أن نحشد الجهود والجيوش لشن الحرب علي تلك الأوكار الإرهابية في قارات الدنيا الخمس، وإنما يعني فقط أن نسترد السلاح القديم الذي كان ولايزال في أيدينا وإن نسيه بعضنا أو قلل من قيمته وقوته. سلاح المساواة الكاملة بين المصريين. سلاح الدين لله والوطن للجميع. سلاح نشهره في وجوه المتطرفين، المتعصبين، بلا تفرقة بين متطرف مسلم، ومتعصب مسيحي. سلاح تتوقف صلاحيته إذا اكتفينا بالكلام عنه، ولن يحقق ما ننتظره منه ما لم يشعر كل مصري/ مسيحي أن البلد بلده، بنفس القدر الذي يشعر به زميله، وجاره، وصديقه، المصري/ المسلم. إذا لم نوفر لهذا السلاح السلمي/ الباتر ذخيرته التي لا صلاحية له، ولا جدوي منه، بدونها.. فليس أمامنا سوي التطلع للسماء ونتضرع إلي الله تعالي إله ورب البشرية كلها من ذرية آدم وحواء ليحمي ويحفظ مصر وشعبها من كوارث ومصائب وجرائم ما يرتكبه البعض منا في حق البعض الآخر. الكلمات الطيبة، والقبلات المتبادلة، والتصريحات الوردية من رموز أدياننا، وكبار مسئولينا، مطلوبة ونرحب بها.. لكنها ليست كافية، ولا مجدية، ما لم يتبعها تفرغ مجلس الشعب الجديد خلال الأيام والشهور القليلة القادمة للتوصل مع الحكومة إلي مشروعات بقوانين تحقق الذخيرة للسلاح الباتر ضد الإرهاب الذي جمدناه، وتجاهلناه، وأسقطناه، وأهملناه، في حربنا المقدسة أو التي كان يجب تقديسها ضد المتطرفين الملعونين، وضد المتعصبين المتحجرين. لن يرحم التاريخ مجلس نواب الشعب الموقر لو لم يبادر أعضاؤه بإنقاذ مصر، وشعبها، مما يهددهما.. بتقنين كل مشروعات القوانين التي تقرب المسلمين والمسيحيين ولا تباعد بينهما، وتساوي بينهم في أي شيء وكل شيء.. بدءاً بالدراسة، مروراً علي الوظائف من أدني درجاتها حتي أعلي مستوياتها، وحذف التعريف بالديانة من الهوية الشخصية وجواز السفر، وحق المصريين في بناء مساجدهم وكنائسهم بلا ضابط ولا رابط، و.. و.. و.. إلي آخر ما يحقق حق المواطنة فعلا.. وليس قولاً. إبراهيم سعده [email protected]