ونسوق بعض الامثلة حول بعض ما قيل في تلك الاوراق عن الشرق فوجهة نظر مصر أو دول الخليج العربية مثلا تجاه البرنامج النووي الايراني معروفة في الصحف والتحليلات والاحاديث والتصريحات المنشورة. وكتابتها في برقية دبلوماسية من سفارة ما لا تعني انها اصبحت وثيقة او انها تحولت من العلنية إلي السرية، مصر ودول الخليج تقول علانية أن من حق إيران الحصول علي برنامج نووي سلمي، ولكنها ترفض ان يكون لايران برنامج سلاح نووي لمخاطره الامنية والبيئية وغير ذلك، وهذا موقف واضح ومعلن وبنفس المنطق ترفض مصر السلاح النووي الإسرائيلي وتقدم العديد من مشروعات القرارات ضده في الاممالمتحدة. وأيضا موقف مصر من حماس معروف ومعلن، هو رفض بناء دولة علي أسس دينية ومن ثم رفض مفهوم حماس لدولة دينية، وهذا من المواقف الثابتة في التاريخ المصري طوال عصوره منذ ماقبل ثورة 2591م، إلي اليوم. كما أن الشعب المصري ضد ممارسة الاغتيالات السياسية التي قام بها الاخوان المسلمون او غيرهم في مصر في الاربعينيات ونحو ذلك. وايضا رفض مصر لأسلوب التعامل من حماس تجاه التسوية ورفض ارتباط حماس بإيران. فإذا قالها مسئول مصري لمسئول امريكي فهذا ليس وثيقة وليس سرا وليس جديدا، فهو موجود في الصحف المصرية القومية وفي تصريحات المسئولين وفي مقالات وتحليلات الكتاب والباحثين. كذلك مواقف تركيا أو سوريا أو غيرهما من الدول معروفة ايضا، والخلافات تجاه حزب الله معروفة، فليس ذلك جديدا وليس سرا وليس وثيقة. الوثيقة عندما يتم التوقيع عليها من دولة ما مع دولة اخري. أما المواقف السياسية العامة فهي موجودة في اوراق الابحاث والندوات والمؤتمرات، ولكن الضجة الإعلامية هي التي تبالغ في الامور لإلهاء الناس وربما ملء الفراغ. إن غزو إسرائيل لغزة وضربها حماس أو غزوها للبنان وضربها حزب الله ليس وثيقة سرية لاحد، فأي قراءة بسيطة لصحفي أو سياسي أو دارس علوم سياسية محترف يجد أن الحرب العالمية الاولي قامت بحادث بسيط في سراييفو والحرب العالمية الثانية وبالذات تورط الولاياتالمتحدة جاء نتيجة ضرب اليابان لميناء بيرل هاربر الامريكي، ومن ثم فإن صواريخ حماس بغض النظر عن مدي فاعليتها، واختطاف حماس للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط يتم قراءته في ضوء سياسة اسرائيل وعقيدتها العسكرية. وهذه ايضا ليست سرا فهي موجودة في دراسات وتحليلات إستراتيجية إسرائيلية، هذه التحليلات المنشورة لمراكز الابحاث لاتعتبر وثيقة ولاتعتبر سرا. ومن نفس المنطلق فان توقع حدوث غزو إسرائيل لغزة أو لبنان لم يكن اجتهادا ولا معلومة، فإسرائيل لاتخفي نواياها وتعلنها صراحة وكثيرا تبلغها للجميع اذا لم يكن يقرأ ولايمكن لاحد إيقافها عن عدوانها بما في ذلك القوي الكبري. ما يردده بعض قادة حماس حول خطورة علم مصر أو السلطة الفلسطينية بأفعال إسرائيلية لا معني له لانه اذا كان هناك قائد يقوم بتصرف ما ضد دولة اخري حتي وان كانت محتلة، فلابد ان يكون له ادني معرفة بردود الفعل اما ان يقول قائد يوصف بالثورية والنضال والمقاومة وخلافه من هذه المصطلحات، التي فقد بضعها معناها الحقيقي في عصرنا الحاضر، انه لو علم ان اسرائيل ستدمر في غزة أو في لبنان علي النحو الذي حدث فإنه لم يكن يقوم بما قام به فهذا دليل علي عدم الوعي وعدم قراءة الامور العلنية والمنشورة وعدم تقدير ردود الفعل الاسرائيلية والعقيدة العسكرية الإسرائيلية ومن ثم فإن هذا يثير مسألة مصداقية مثل هؤلاء القادة. إنه من الضروري لكل باحث سياسي أو قائد يتابع ما تنشره مراكز الابحاث المتخصصة والا فانه يكون مخطئا في فكره وعمله وممارساته وهناك علي سبيل المثال كتاب التوازن العسكري الذي ينشره معهد الابحاث البريطاني وبه معلومات عسكرية دقيقة وليست بالضرورة كافية او صادقة مائة بالمائة، كذلك كتاب معهد استوكهلم لابحاث السلام الدولي والذي يعتبر مرجعا علميا وهكذا عشرات المؤلفات المشابهة. الخلاصة ان ما يقال بأنه وثائق ويكيليكس ليست وثائق، وليست لها سرية، وإنما معظمها تحليل وتعبير عن وجهات نظر حتي وان كان اطرافها سياسيين أو دبلوماسيين، وينبغي عدم المبالغة ومن الضروري وضع الامور في نصابها لدي المختصين والسياسيين واصحاب القرار، أما الإعلام الصاخب والمثير فهذا له دور آخر يعرفه اساتذة الإعلام والإعلام السياسي. إن مأساة عالمنا العربي ذات أبعاد متنوعة، ولكن اخطرها محدودية المعرفة والعلم ومحدودية الاعتماد علي الباحثين والمفكرين وذوي الاختصاص والمبالغة في النظر للأمور بلا تبصر وروية. كاتب المقال : باحث في الشئون الإستراتيجية الدولية