كانت متعتي النزول إلي مقر النكتة حيث الكاتب الشديد الخصوصية أحمد رجب والفنان المنفرد مصطفي حسين. ومصطفي حسين لعلكم لا تعلمون له شخصياته وخطوطه التي تنطق الحجر ويضحك منها البشر وصولا للصخر.. لم اصدق الخبر- استغفر الله كلنا لها- ولكن للحضور الطاغي والانتظار الدائم حيث امسك بالجريدة من الصفحة الاخيرة ثم اضحك ثم القيها واعود اليها ربما مساء لأكمل ما بها.. ولكن الحياة والنبض اليومي هو «نكتة مصطفي حسين وأحمد رجب» وكنت حينما اجلس معهما «بتلامة» لا تخرج فكرة النكتة إلا حينما أخرج من المكتب مطرودة منهما، وكما كان الراحل رخا بخطوطه وفلسفة شخصية ابن البلد وبنت البلد تمكن مصطفي حسين بعبقرية هي السهل الممتنع ان يجسد افكار الكبير أحمد رجب من كمبورة لغيره من الشخصيات العبقرية مثل عزيز بيه الأليت والكحيتي وغيرها من الشخصيات التي تلخص ناس مصر وكنت دائما أنظر حولي في أي مجتمع أكون فيه لابحث عن الكحيتي وعزيز بيه الاليت وغيره من الشخصيات التي حملها مصطفي حسين وأحمد رجب كل أفكار وشخصيات المجتمع في مصر. اصبح مصطفي حسين ورسومه مثل ميدان التحرير ومحطة مصر وكوبري قصر النيل بالأسدين وبرج القاهرة وحديقة شجرة الدر في المنصورة وكوبري طلخا وقلعة قايتباي في اسكندرية وقصر المنتزه وسان ستيفانو.. اصبحت خطوطه من معالم حياتنا واختفاؤه غير وارد.. وكيف يختفي ميدان التحرير او كوبري عباس أو محطة مصر أو حديقة الحيوان أو برج القاهرة؟ اختفاء مصطفي حسين هو اختفاء معلم مهم من حياتنا واختفاء الضحكة من القلب والانشراح للصدر مهما كانت الازمة، مصطفي حسين لم يكن زميلا بل صديق شديد المقدرة علي التواجد.. ان اختفاء مصطفي حسين من حياتنا هو ضرورة ان نغير هذه الحياة. ولن نغيرها؟ انها سوف تتغير وحدها باختفاء الدفعة القوية من فلسفة الضحك من خلال كل خط عبقري خطه مصطفي حسين لم تفقد أخبار اليوم رساما عبقريا بل فقدت فارسا كان يقف برسومه مدعما شخصيتها بشخصية ينتظرها القاريء في كل حرف من حروفها.. لا أقول وداعاً يا مصطفي بل إلي لقاء قريب، أحسه تماماً وما أجمله من شعور، أن نلتقي لقاء أبدياً لا فراق بعده. ولدنا عصام مصطفي حسين.. بابا لا يعوض! لك مني كل الحب والعزاء لنا جميعاً، أما ابنتنا الغالية داليا زوجته الحبيبة الجميلة خلقة وخلقاً فأدعو لها بالصبر، فلم يكن مصطفي زوجاً عادياً كما كان عبقرياً في كل شيء فكانت عبقريته كزوج لا تدانيها علاقة، فلم يكن مصطفي حسين زوجاً فقط بل كان لها أباً وأخاً وصديقاً وأستاذاً. أنا لا أعزيها لأن العزاء في مصطفي حسين لا يجوز لأنه ليس فقيداً عزيزاً تأخذ الزوجة والابن العزاء فيه ولكنه كان حياة كاملة يملأ حبه حياتها كلها ولعل الله بمقدرته علي زرع الصبر في القلوب والعقول أن يزرع الصبر في قلب وعقل داليا وعصام وأن يغسل قلبيهما من الحزن الكبير.