التحية واجبة قبل العرض لهذه الموسوعة التاريخية الهامة، التحية للدكتور أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ والمحقق لما يقوم به من جهد علمي لإنشاء مكتبة متكاملة للتاريخ المصري من خلال سلسلتين هامتين الأولي: «مصر النهضة» والثانية: «تراث النهضة» عن دار الكتب المصرية، كلتاهما مكملة للأخري وتحوي دراسات شديدة الاهمية للتاريخ المصري وللقضايا الكبري في مساره، أما «تراث النهضة» فتقدم الاصول الكبري لمصادر هذا التاريخ الدكتور أحمد رجل جم التواضع، غزير العلم، ودؤوب، أحسن صنعا عندما قدم هذا الإصدار الجديد الذي يؤكد الدور الخاص الذي يجب أن تقوم به الهيئة العامة للكتاب في النشر. رأيت حوليات مصر السياسية لاحمد شفيق باشا أول مرة في مكتبة دار أخبار اليوم قرأته في بداية التسعينيات من القرن الماضي وطالبت بإعادة إصداره مرارا. أصدر الدكتور عبدالعظيم رمضان مذكرات أحمد شفيق باشا في سلسلة تاريخ المصريين التي توقفت بعد وفاته وكانت من أهم أعمال الراحل. الحوليات تعتبر آخر نموذج لمدرسة المؤرخين المصريين التي بدأت في القرن الثاني الهجري بكتاب «فتوح مصر والمغرب» لابن عبدالحكم ثم توالت من خلال اعمال مؤرخين كبار يكمل كل منهم عمل الآخر، وكان آخرهم الجبرتي. ثم سار أحمد شفيق باشا علي درب التقاليد القديمة لمدرسة التاريخ المصري والتي بدأت تنقرض في القرن التاسع عشر مع دخول المناهج الحديثة المستلهمة من الغرب. وإن كانت الصحافة الحديثة قد قامت بهذا الدور بشكل غير مباشر، عندما نقرأ السلوك للمقريزي او بدائع الزهور لابن اياس وصولا الي التراجم والآثار للجبرتي سنجد رصدا للوقائع والأحداث كبيرها وصغيرها. نجد هذا في الصحافة الحديثة بدرجة ما، لأن الصحافة في الغالب تكون لها وجهة نظر سياسية أو عقائدية فيما يتعلق بالأحداث العامة، ينجو من هذا ما يتعلق بالمجتمع، إذن، حوليات مصر السياسية آخر نموذج لموسوعات التاريخ الكبري، تتكون من عشرة اجزاء صدرت في سبعة مجلدات عن الهيئة العامة للكتاب، المجلدات الثلاثة الأولي تغطي الفترة من عصر محمد علي إلي عام 1924 والذي يبدأ منه المؤلف في تدوين الحوليات حتي عام 1930، ويعتبر أدق مرجع عن تلك الفترة لموقع المؤلف في الدولة التي تدرج في مناصبها من بداية السلم في عهد الخديو توفيق إلي أعلاه. قدم سجلا هائلا وحافلا يضم آلاف الصفحات من الوثائق والكتابات الصحفية بشأن وقائع واحداث مصر السياسية من 1914 1930. إن اصدارها يعد عملا هاما مستوياته متعددة. منها الحفاظ علي الذاكرة الوطنية ومصادرها واتاحة الفرصة للاجيال الجديدة للاطلاع عليها وإنني لاقترح علي الدكتور أحمد مجاهد عقد ندوة علمية بالاشتراك مع المجلس الاعلي للثقافة حول هذا الاصدار الهام وللاحتفاء ايضا بذلك العالم المتبتل في محراب العلم، أحمد زكريا الشلق جزاه الله خيرا.