محظوظ من يعمل بالتعليم الجامعي ومظلوم من يعمل بالتعليم قبل الجامعي في ظل انتهاء عصر اصحاب الرسالة والنهج ممن يعتقدون في قدرات المربي علي الاصلاح والتعليم معا.. فالتعليم الجامعي يتعامل مع طلاب اكثر نضجا واكثر التزاما في ظل نمو عقلي منهجي وادراك اكبر للمصلحة العامة والشخصية وتطلع الي مستقبل قريب اصبح علي مرمي البصر.. وعلي النقيض يعمل بالتعليم قبل الجامعي من يتعامل اما مع اطفال لا يعنون الكثير من تصرفاتهم مما يفعلون وتغلب الغريزة والتسرع وأحيانا التهور عن العقل في جميع التصرفات.. المبدأ العام في كلا التعليمين الجامعي وقبل الجامعي هو ان التهديد بالعقوبة اكثر فعالية من توقيع العقوبة نفسها كما ان العقوبة المخففة تصلح الكثير من الاحوال بينما العقوبة المشددة تضر بالفرد والمجتمع والاسرة.. ففي خلال عملي بالتعليم علي مدار 33 عاما والحاق ابنائي بالتعليم المصري والاجنبي والعربي خارج مصر وداخلها عند العمل في مهمات قومية خارجية لم أقابل ابدا حالات فصل مستديم لاي طالب في مرحلة التعليم قبل الجامعي لانهم ببساطة في مرحلة عدم نضج للعقل حتي انهم لا يعاقبون امام القانون المدني الا بالاحكام المخففة نظرا لحداثة سنهم.. فإذا ما اخطأ الطالب خطأ جسيما يجد المربي نفسه أمام خيارين الاول وهو الاسهل ان يتخلص من هذا الطالب بالفصل النهائي وبذلك نهدي المجتمع شخصا خارجا عن القانون ومجرما جديدا يحمل نقما شديدا علي مجتمع لم يراع طفولته ولم يسمح له بأن يعيش اخطاءها الكثيرة ليتعلم منها وهذا الحكم قد يعاقب اسرة بأكملها ثم مجتمعا كاملا.. الخيار الثاني هو علاج هذا الطالب بتحويله الي شخص سوي نافع لنفسه واسرته وغفران اخطاء طفولته بتحويله الي الطبيب النفسي للمدرسة او المنطقة التعليمية ليبحث في اغوار هذا الطالب عن النقاط المضيئة ونقاط التميز والذكاء ليخرجها ثم يعلمه فداحة ما ارتكبه من خطأ »وليس جرما« ليعود الينا الطالب شخصا محبا لمجتمع احتواه وعالجه وصحح مساره واهدي اسرته ومجتمعه شخصا نافعا محبا لوطنه ومعترفا بجميله وليس بالناقم عليه، وبعيدا عن الدماء الحارة للمدرسين والمسئولين الذين تترسب في نفوسهم عادة الثأر وعدم غفران الاخطاء خاصة التي تمس شخصيتهم وكرامتهم.. كما ولو كانت اختلافا في الشارع وليس في كيان تعليمي وان المشكلة مع مدرس او بمعني اصح مربي ووالد وليست مع شخص بعينه لكي يأخذ الامر علي كرامته متناسيا تعامله مع ابن من ابنائه الذي لم ينجبه ويطبق عليه العقوبة التي يوقعها علي ابنه في المنزل إذا ما اخطأ وهي بالتأكيد ليس بالطرد الي الشارع الي غير رجعة. المدرس والناظر والمسئول ايضا لهم اخطاؤهم التي يجب علي المجتمع الذي خدموه وافنوا عمرهم فيه ان يتحملهم ولا يعاقبهم دائما باقصي العقوبة او بالبتر او النفي في زمن حقوق الانسان والغوص في اعماق النفس.. فنقل المسئول الي خارج محافظته وهو نقل اقرب الي ان يكون نفيا الي خارج البلاد يزيد من اعباء اسرته لان من يعولهم اصبح بعيدا وله احتياجات يقطعها من مخصصات ابنائه ويُحرم ابناؤه من الرعاية المباشرة للاب.. يضاف الي ذلك الي ان الجهة البعيدة المنقول إليها المدرس او الناظر او المسئول التربوي سيظلون ينظرون اليه الي كونه فردا خارجا معاقبا ولا يعولون عليه كثيرا لمجرد انه خرج عن وقاره في لحظات غضب هي من سمات البشر فنكون بذلك قد فقدنا فردا منتجا صالحا اخطأ لمرة واحدة ومن حقه علينا ان نتحمله.. كما تحمل معنا العمل لسنوات طوال وبمرتب لا يطمئن والدا علي مستقبل أولاده. العقاب المخفف أو المعقول هنا يمكن أن يعيد هذا المسئول إلي صوابه ويجعله اكثر انتاجا وحسما يتبع الاساليب التربوية حتي وان كان نقله او نفيه مطلوبا فليكن داخل محافظته حفاظا علي اسرة ومجتمع وإعطاء الفرصة للانسان كي يصحح من نفسه مؤمنا بأن ما اصابه من عقاب هو علي قدر الخطأ ومناسب له دون مبالغة وليس الي حد البتر او القتل غير الرحيم.. الحسم دائما لا يكون بشديد العقاب فإصلاح منظومة التعليم تهدي المجتمع اشخاصا صالحين وتصحح من مسار ابنائها ولا تضيف الي المجتمع مجرمين وخارجين عن القانون او ناقمين علي مجتمع في ظل مجتمع مدرسي محدو الامكانيات ومدرسين يعملون بفصول تحتوي علي أعداد طلاب يستوعبهم مدرج جامعي وليس فصلا مدرسيا ونظار يتعاملون مع اعداد طلاب تستوعبهم جامعة وليس مدرسة. فالمنظومة التعليمية تحتاج الي اعادة نظر فاعلة لا ينسي المرء فيها انسانيته ويكسبه حب واحترام الجميع وليس حب فئة معينة من مجتمع كبير. كاتب المقال: كلية الزراعة جامعة القاهرة