خلال احتفال دار أخبار اليوم بإطلاق خدمة AR التفاعلية والتي تتحول معها صفحات الجريدة إلي ألبومات صور أو فيديو أو 3D تسمعه وتشاهده علي التليفون المحمول، قال النابغة ياسر رزق رئيس مجلس الادارة صاحب فكرة المشروع أنه محاولة لإطالة عمر الصحافة الورقية. توقفت كثيرا أمام كلام الكاتب الصحفي الكبير وعاد شريط الحياة التي تربي علي ستة عقود إلي العمر الذي قضيناه بين اوراق كتبناها بدءا بالاقلام الرصاص مرورا بأقلام الكوبيا التي لايعرفها ابناء هذا الجيل وهي نوع من الاقلام أشبه بأقلام الرصاص ولكن يستحيل مسح كتابتها بأستيكة كما هو الحال مع الأولي.. ثم لحق جيلنا بالاقلام الحبر حيث كانت الاقلام الجاف ترفا مع بدايات الستينيات عندما تعلمنا أن نمسك بالقلم ونخط به أول سطور في حياتنا، وسرعان ما اصبح الجاف أشكالا وألوانا وانتهي عصر الرصاص والكوبيا وايضا الحبر بعد ظهور الفلوماستر. سيطر القلم الجاف في السنوات الأربعين الأخيرة ورويدا رويدا بدأ هو الآخر يفقد عرشه مع ثورة الاتصالات والكتابة علي أجهزة الكومبيوتر والمحمول وإرسال ماتكتبه إلي أي مكان علي وجه الأرض قريبا كان أم بعيداً. كثيرا ما أدخل علي أحد الأقسام الصحفية في الجريدة لأفاجأ بأن الزملاء جميعهم وهم في عمر ابنائي يجلس كل منهم أمام جهازه الخاص الذي وفرته له المؤسسة ليكتب خبرا أو موضوعا يرسله إلي صالة التحرير أيا كان موقع تواجده في الداخل أو الخارج، وعلي العاملين في المطبخ الصحفي استقبال الخبر وإعداده للنشر. ومنذ أسابيع بدأ رئيس مجلس الادارة تطويرا جديدا بتطبيق نظام «ان ديزاين» وهو ما يلحظه القارئ في صفحات الجريدة، ومن أجله تم وضع أجهزة للحاسب الآلي علي كل مكتب من الزملاء في سكرتارية التحرير وعلي الطاولة الرئيسية في صالة التحرير علي طريق: وداعا لعصر الكتابة بخط اليد وأهلا بالكمبيوتر. ورغم ان كثيرا من ابناء جيلي اجتهدوا في التأقلم مع الوضع الجديد خاصة انه لا يكلفهم سوي كتابة المقال الاسبوعي أو يوميات شهرية واصبحوا يرسلونه عبر الموقع الاليكتروني للجريدة الا أن العديدين -وأنا منهم- مازالوا علي عشقهم القديم للورقة والقلم، ومازال التأقلم مع التكنولوجيا يجسد للكثيرين منا المثل القائل: التعليم في الكبر كالنقش علي الماء. تعود بي السنون حيث كنا نحرص علي ادخار القرش إلي جوار القرش طوال اسبوع للحصول علي مجلات الاطفال الاشهر في الستينيات أو نشتري صحيفة ب15 قرشا وبعد قراءتها تعود إلي البائع لنستبدلها بصحيفة أخري بعد دفع خمسة قروش فرقا. أما عن الكتب فإنني انظر إلي ما اقتنيه من اوراقها علي مدي عمري وأفكر جديا في أن أتبرع بها لمكتبة عامة ليصدمني سؤال: وهل هناك في هذا الزمان من يعرف طريق المكتبة العامة؟ وحتي لو كان هناك من يريد أن يقرأ ويعرف فما هي إلا لمسة زر ليصل إلي مبتغاه مما يريده من معارف. واتساءل: هل نحن جيل أضاع في الاوراق عمره؟ وسرعان ما تجئ الاجابة.. أبدا.. نحن عشنا العمر كما قدر لنا وأخذنا ما كان متاحا في زماننا والاجيال الجديدة تعيش عصرها وتأخذ منه ما أتاحه لها وعلينا ألا نطمع في الجمع بين الحسنيين.. بين ما قدمه لنا عصرنا وما قدمه لهم عصرهم. وفي النهاية تذكرت تحقيقا صحفيا للراحل العظيم موسي صبري عن السد العالي.. عندما كتب في برواز داخل الموضوع لقطة بعنوان «الانسان أم الآلة» حيث سأل عاملا عن الحفار الذي يعمل عليه أيهما في المرتبة الأولي: الآلة أم الانسان الذي يعمل عليها؟ وجاء رد العامل البسيط: طبعا الانسان لأنه هو الذي صنع الآلة. قلت في نفسي: قد تكون الاجابة صحيحة ولكن في حالة ما اذا كان هذا الانسان رجلا لكل العصور!!