من باب الرحمة والتيسير علي الضعيف، تسامحت الأديان والأعراف الاجتماعية مع المريض، وأعفته وغفرت له، عدم قدرته علي أداء بعض العبادات والواجبات. وصارت مقولة »ليس علي المريض حرج« عنوانا لهذه الرحمة.. »والواقعية« لكن جاء زمن تنكر فيه من يفترض أنه »رئيس ملائكة الرحمة«.. للرحمة فلم يكتف وزير صحة هذا الزمن القاسي بوضع المريض في حرج.. وإنما اثقل كاهله الواهن بحرجين اثنين. فهو في حرج إذا زادت عليه الأوجاع، وأضطر للجوء للمستشفي - وكان فقيرا - وحدث ذلك قبل الساعة التاسعة صباحاً. أو بعد الساعة الواحدة ظهراً. سيقولون له: اذهب.. فهذا ليس وقت العلاج المجاني. فإذا كنت تريد الكشف الآن.. ادفع.. اللائحة صريحة!.. وطبعاً لأنه من الفقراء، فسيطرد من العيادة الخارجية، أو يترك مهملاً.. فلم يعد له حق حتي مجرد الكشف. لأن الكشف الان بفلوس! أما الحرج الثاني الاشد والأنكي، فهو إذا كان المريض الفقير من المبتلين بمرض كبير، يحتاج للعلاج داخل المستشفي.. وكانت أسرة العلاج المجاني، التي حصرها وزير صحة هذا الزمن القاسي في 04٪ من جملة اسرة المستشفي، مشغولة.. فسيرفضون دخوله، لان بقية الاسرة بفلوس.. حتي لو كانت بعض هذه الاسرة خالية.. فلابد من الدفع.. اللائحة صريحة.. وعذاب المريض، وتفاقم مرضه.. أو حتي موته.. لا شأن لنا به.. اقصد الذين ينفذون اللائحة الجديدة لوزارة الصحة. الأمر المثير للدهشة هو كيف يسمح لوزيرين اثنين فقط، وحتي ليس مجلس الوزراء مجتمعاً.. أن يحدث تعديلاً في لائحة مستشفيات وزارة الصحة.. لا تتعلق بأمور إدارية أو تنظيمية.. وإنما تمتد إلي الوظيفة الاجتماعية لهذه المستشفيات، كأداة للدولة في الرعاية الصحية لكل محتاج إليها..!؟ إن ذلك مخالف للدستور وللقانون.. ونحتاج لرأي رجال القانون، والمتخصصين فيه. إن مستشفيات وزارة الصحة العامة حوالي 032، والمتخصصة - صدر، حميات، عيون، نفسية الخ - أقل قليلا من هذا العدد.. شيدت، وجهزت، وتشغل من ميزانية الدولة، أي أموال الشعب. وهي طول عمرها مفتوحة، وتقدم جميع خدماتها لكل أفراد الشعب.. بالمجان.. وعندما ظهرت المستشفيات الخيرية، كالمواساة والعجوزة والمبرة وغيرها مما بناه أهل الخير.. كانت إضافة انسانية كريمة لخدمة جميع المرضي.. وبالمجان ايضاً. لكن عندما جاء زمن الاستثمار في صحة الناس، وظهرت مستشفيات الربح من المرض، ومنها مستشفي وزير صحة هذا الزمن القاسي.. لم يجد فقراء هذا الشعب، وما أكثرهم، ملاذا إلا مستشفيات وزارة الصحة فهي خاصة في محافظات بحري والصعيد، وفي الأحياء الشعبية وكل فقراء القاهرة والاسكندرية وبورسعيد والسويس - المكان الوحيد المتاح، بل والموجود ايضا، الذي يلجأون إليه. فأن يأتي من يفرض علي كل هذه الملايين ألا يستفيدوا من خدماتها المجانية إلا 4 ساعات في اليوم.. ويحرمن منها 02 ساعة في اليوم.. وألا يرقد علي أسرتها المجانية إلا 04٪.. بينما ال 06٪ لمن يدفع.. فماذا يعني ذلك وأين حق الشعب في مستشفياته؟ ثم إذا كنتم تنوون تطبيق تأمين صحي شامل علي جميع أفراد الشعب.. فلماذا هذه الاجراءات الشاملة.. والمنافية لأي تأمين صحي؟!