لقد كانت القسوة والغلظة والكفر تقود الرجل في الجاهلية ليقتل ابنته! وما كان ليشفع له، أن قتلها كان من منطلق الخوف عليها من شح الرزق أو السبي عند الكبر والذي عليه رأينا الآية الكريمة واصفة الموقف العصيب يوم القيامة في المحاسبة والفصل بين العباد ذاكره «وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت». ولقد دفعني هذا المشهد الي أن أقول أننا أصبحنا في جاهلية الجاهلية فرغم أن القسوة والغلظة في الجاهلية كانت لها أسباب إنسانية فمع ذلك لم تشفع لها فما بالنا ونحن نراها اليوم وليس لها سبب إلا رحمة غائبة أو جشعا طاغيا أو إهمالا متفشيا وأن ارواح كثير من مواطنينا أصبحت تزهق بلا جريرة ولا ذنب اقترفوه، إلاوجودهم في لحظة من عمرالوطن بلغت فيها الجاهلية الحديثة والمادية البغيضة مداها وذلك حيث أننا أصبحنا نري المريض يطاف به علي جميع المستشفيات، مع رفضهم جميعا لاستقباله بحجة عدم وجود أسرة إلي أن يرحمه رحمن السماء بالوفاة، رحمة به من انعدام رحمة أهل الأرض لقد أصبحت هذه الحالة هي القاعدة وليس الاستثناء فنكاد لانري حالة مرضية في حاجة ماسة لخطورة حالتها إلا ويلقي بها إلي الطريق، باحثة لنفسها عن مكان آخر بسبب عدم وجود أسرة أو مكان بالرعاية بدلا من مسارعة الجميع- كما يحدث في البلدان الأخري- للتسابق مع الزمن لإنقاذ روح إنسانية وضعها الله أمانة بين أيديهم. والذي إن لم يكن من باب الرحمة فمن باب حق المواطنة الذي يكاد لانراه من حق العلاج ولو في الحالات الحرجة فضلا عن الحق الإنساني في البقاء علي الحياة. إن هناك حلولاً كثيرة يمكن معها تجنب هذه الحالات وما يماثلها وأذكر علي سبيل المثال حلا لا نظن أنه يستعصي علي حكومتنا الذكية، والتي اتخذت لها هذا الاسم انطلاقا من اعتمادها علي تكنولوجيا الحاسب الآلي أساساً في حياتنا. فإذا لم تكن تطبيقات هذا الحاسب الآلي هدفها الأسمي هو الحفاظ علي روح المواطن ورعايته فلا حاجة لنا بها إنه يمكن عمل برنامج علي الحاسب الآلي يربط جميع المستشفيات العاملة في مصر بشكبة واحدة من خلال الانترنت تظهر عدد الأسرة الشاغرة بالأقسام المختلفة وبالرعاية المركزة والأماكن الخالية بالحضانات وفصائل الدم المتوفرة ببنوك الدم، وغيرها من المعلومات الهامة واللازمة بحيث إذا أتي مريض يسارع الأطباء والفريق الطبي لإنقاذ روح إنسانية حملهم الله قبل الوطن أمانة إنقاذها والمحافظة عليها ثم بعد إنقاذها وفي حالة الاحتياج لإبقائها تحت الرعاية الطبية حرجة كانت أم عادية تكون مسئولية المستشفي إيجاد مكان لها به أو بآخر من خلال البحث والحجز بالفعل من خلال هذه الشبكة قبل نقل المواطن إليها والذي يقوم به أيضا المستشفي الأول ويكون تحت إشرافه ومسئوليته وهو نفس مايتم في حالة الاحتياج لدم للمريض وذلك بقيام المستشفي بنفسه بالبحث وطلب الدم مباشرة من بنك الدم المتوفر به من خلال هذه الشبكة بدلا من قيام أهل المريض برحلات مكوكية ودائرية للبحث عنه والتي قد تكلف المريض حياته قبل وصول الدم إليه مع احتمالية فساد هذا الدم لخطأ نقله بالجهل من أهل المريض. إنني أخاف أننا إن لم نفعل شيئا فسوف نقف جميعا بين يدي الملك العدل يوم القيامة، مسئولين واطباء وعاملين بالمراكز الطبية وأصحاب فكر ورأي وكلمة تقاعسوا عن القيام بدورهم متسببين في قتل كثير من مواطنينا في موقف رهيب نحن فيه مسئولون ومستمعون إلي «وإذا المرضي سئلوا بأي ذنب قتلوا».