عودة انقطاع الكهرباء في مناطق بالجيزة وخروج كابل محطة محولات جزيرة الذهب عن الخدمة    هآرتس: ترامب يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لضم أجزاء من غزة    200 مليون دولار، ليفربول يجهز عرضا خرافيا لحسم صفقة مهاجم نيوكاسل    رابطة الأندية: بدء عقوبة "سب الدين والعنصرية" فى الدوري بالموسم الجديد    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية اللازمة والاهتمام الطبي الفوري للكابتن حسن شحاتة    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في المريوطية    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    الكشف الطبي على 540 مواطنًا بقرية جلبانة ضمن القافلة الطبية لجامعة الإسماعيلية    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    بدء الدراسة بجامعة الأقصر الأهلية.. رئيس الجامعة والمحافظ يعلنان تفاصيل البرامج الدراسية بالكليات الأربع    «ما تراه ليس كما يبدو».. شيري عادل تستعد لتصوير حكاية "ديجافو"    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    أمانة الشؤون القانونية المركزية ب"مستقبل وطن" تبحث مع أمنائها بالمحافظات الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    هندسة المنوفية الأولى عالميًا في المحاكاة بمسابقة Formula Student UK 2025    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تتابع ملفات وزارة البيئة وتبحث تطوير منظومة إدارة المخلفات    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الثعالبي.. أديب العرب
نشر في الأخبار يوم 06 - 05 - 2014

»وأبو منصور يعيش الي وقتنا هذا، وهو فريد عصره، ونسيج وحده وله مصنفات في العلم والادب تشهد له بأعلي الرتب«
بين الحين والآخر اخصص أياماً لاستعادة أديب أو مفكر ارتبطت به وأعجبت، أخصص شهراً علي سبيل المثال للجاحظ، للتوحيدي، للتيفاشي، لشاعر عظيم مثل ابو العلاء أو المتنبي، هل هو الحنين الملازم لآخر العمر؟، الرغبة في زيارة الاماكن الحميمة، في مقابلة الصحب الذين فرقت بيننا وبينهم الخطوب والظروف؟، ربما، هكذا بدأت استعادة الثعالبي أحدأ أكبر الأدباء العرب في القرن الرابع الهجري.
للثعالبي ركن بأكمله في مكتبتي، كل ما صدر له أو عنه. عاش عمراً مديداً، تجاوز الثمانين، وكما طال عمره، فقد تعددت مؤلفاته، إذ تعدت الثمانين مصنفاً، كلها حول الادب واللغة والتاريخ، دون فيها ملامح عصره، ومعارفه، ورسم صورة واضحة المعالم لأعلامه وكتابه وشعرائه، وصلنا معظمها، مثل يتيمة الدهر في شعراء العصر، وفقه اللغة، وسر العربية، والتعريض والكناية، والمبهج، والتمثيل والمحاضرة، وخاص الخاص، والاعجاز والإيجاز، والنوادر والتعليقات، والمطربات المرقصات، وغيرها.
ولد في نيسابور سنة ثلاثمائة وخمسين، وتوفي بها سنة اربعمائة وثلاثين، »نسب إلي الثعالب لأنه عمل في خياطة جلودها، المعلومات عن حياته شحيحة، ضئيلة، وما جاء عنه في كتب التراجم سطور عامة لا تلقي ضوءاً كافيا، ولا تشفي غليلا.
يقول ابن خَلكّان في موسوعته و»فيات الأعيان«
»كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع اشتات النّثْر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، وامام المصنفين بحكم اقرانه، سار ذكره سير المثل، وضربت اليه آباط الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب«..
اما تلميذه وربيبه عليّ بن الحسن الباخرزي فلم يزد علي أن قال في حقه:
»جاحظ نيسابور، وزبدة الاحقاب والدهور، لم تر العيون مثله، ولا أنكرت الاعيان فضله، وكيف ينكر وهو المزن يحمد بكل لسان، أو يستر وهو الشمس لا تخفي بكل مكان، وكنت وانا بعد فرخ أزغب، في الاستضاءة بنوره أرغب..«
اما الحصري صاحب كتاب زهر الآداب، فقال عنه:
»وابو منصور هذا يعيش إلي وقتنا هذا، وهو فريد دهره، وقريع عصره، ونسيج وحده، وله مصنفات في العلم والادب، تشهد له بأعلي الرتب«.
هكذا، مجرد اوصاف عامة، لكن ما من تفاصيل عن اطوار حياته، او الاعمال التي مارسها، أو البلاد التي رحل اليها، كان ناثراً فذا، وشاعرا رقيقا، ومن كتبه التي وصلتنا، وطبعت اكثر من مرة، كتاب »ثمار القلوب في المضاف والمنسوب« حققه محمد ابو الفضل ابراهيم، وصدر في سلسلة ذخائر العرب عن دار المعارف بمصر، كتاب ضخم يقع في ثمانمائة صفحة، خصصه لذكر اشياء مضافة ومنسوبة الي اشياء مختلفة يتمثل بها، ويكثر استخدامها في اللغة، مثل القول، غراب نوح، ونار ابراهيم، وذئب يوسف،ومثل قولهم، قرطا مارية، وتفاح الشام، وورد جُور..، قسم الكتاب الي واحد وستين بابا، الابواب الخمسة الاولي يمكن اعتبارها مفتتحا ذا طابع ديني، الاول يذكر فيه ما يضاف الي اسم الله تعالي، مثل القول »بيت الله«، والمقصود الكعبة بيت الله الذي جعله الله مثابة للناس، وقبلة لسيد ولد آدم وخاتم الانبياء عليهم الصلاة والسلام، وكعبة لأمته، ويقول ان العرب في الجاهلية كانت لا تبني بنياناً مربعاً تعظيماً للكعبة، ثم يذكر خصائصه، ومنها أنه بواد غير ذي زرع ولا شجر، وينثني فيه الذئب عمن يطارده، ولا ينزله الحمام الا إذا كان عليلاً، وإذا حاذاه الطير انقسم الي فريقين، ثم يقول الثعالبي، ومن يستطيع الاحاطة بفضائل بيت الله وخصائصه.
الأنبياء
يقال »سفينة نوح« تضرب مثلا للشئ الجامع، لان نوحا حمل فيها من كل زوجين اثنين، ويقال ايضاً »غراب نوح« يضرب مثلاً للرسول الذي لا يعود، وكان أهل البصرة يقولون: فلان لا يرجع حتي يرجع غراب نوح، ويقال عمر نوح، يضرب مثلا في الطول، وينسب إلي سيدنا ابراهيم، »مقام ابراهيم« كناية عن كل مكان شريف، و »نار ابراهيم« للبرد والسلامة. اما »رؤيا يوسف« فيضرب بها المثل علي الرؤية الصحيحة، الصادقة، و»ذئب يوسف« يقال لمن يرمي بذنب جناه غيره وهو بريء، ويقال »عصا موسي« يورد الثعالبي قول الجاحظ: »من يستطيع ان يدعي الاحاطة بما في قول موسي »ولي فيها مآرب أخري« الا بالتقريب وذكر ما خطر علي البال! ولكنني سأذكر جملاً تدخل في باب الحاجة إلي العصا، فمنها: أنها تحمل للحية والعقرب والذئب والفحل الهائج ويتوكأ عليها الشيخ الدالف، والسقيم المدنف، والاقطع الرَّّجل، والاعرج، وتنوب للاعمي عن قائده.... الخ«. وممن ضرب المثل بعصا موسي فأحسن وأبدع، ابن الرومي حيث قال..
مديحي عصا موسي وذلك أنني
ضربت به بحر الندي فتضحضحا
فياليت شعري إن ضربت به الصفا
أيبعث لي منه جداول سُيَّحاً!
كتلك التي اندت ثري الأرض يابسا
وأبدت عيونا في الحجارة سُفحا
سأمدح بعض الباخلين لعله
إن اطّردَ القياس ان يتسمحّا
ويقول الثعالبي ان ابن الرومي ابدع اذ شبّه مديحه بعصا موسي التي ضرب بها البحر فيبس، ذلك انه مدح جوادا فبخل، فقال، سأمدح بخيلا لعله يجود ويقال »خليفة الخضر« إذا كان الرجل جوّالا، جوّابا للآفاق، كما قال ابو تمام عن نفسه:
خليفة الخضر من يأوي الي وطن
في بلدة فظهور االعيس أوطاني
ثم قال:
بالشام قومي وبغداد الهوي وأنا
بالرَّقتّيِنْ وبالفسطاط أخواني
وما أظن النوي ترضي بما صنعت
حتي تسافر بي أقصي خراسان
ومما ينسب إلي الانبياء ، »صبر ايوب«، و »حوت يونس« و »نغمة داود« و »خاتم سليمان« و »طب عيسي«، و »بردة النبي« التي يضرب بها المثل في البِلي. وهي التي خلعها الرسول الكريم وكساها كعب بن زهير بعد أن انشده قصيدته المشهورة.
القرون الأولي
والمقصود بها الازمنة النائية المنقرضة، يقال »احلام عاد«، كانت العرب تتصور ان قوم عاد عمالقة الاجسام، وبالتالي كانت احلامه ضخمة كأجسادهم. اما »ريح عاد« فتضرب مثلا للاهلاك وللافناء، اما »صاعقة ثمود« فتضرب ايضاً مثلا في الابادة، ويقال »صرح هامان« للابنية الشاهقة، و »كنوز قارون« للأموال والثروات النفيسة، و »نوم اصحاب الكهف« للنوم الطويل، ومن أقوال العرب »جوف حمار« كان رجلا من عاد، يقال له حمار بن مويلع، وجوفه واد له طويل عريض، لم يكن هناك اخصب منه وفيه من كل الثمار، فخرج بنوه يتصيدون، فاصابتهم صاعقة فهلكوا، فكفر، وقال: لا أعبد من فعل هذا ببني ودعا قومه إلي الكفر فمن عصاه قتله، فاهلكه الله، وخربّ واديه، فضرب به المثل في الخراب والخلاء.
ومما يضرب به المثل »ذكاء إياس«. كان قاضيا شديد الذكاء، كان في صغره ضعيفا، ضئيلا، وكان له أخ اشد منه حركة وأقوي، وكان ابوهما يقدمه علي اياس، فقال له اياس يوما: يا أبت، أنت تقدم أخي علي وسأضرب لك مثله ومثلي، فهو مثل الفرّوج حين تنفلق عنه البيضة يخرج كاسيا كافيا نفسه فيلقط ويستخفه الناس، فكلما كبر انتقص حتي إذا تم وصار دجاجة لم يصلح إلا للذبح، وأنا مثل فرخ الحمام تنفلق عنه البيضة عن شئ ساقط لا يقدر علي حركة وأبواه يغذيانه حتي يقوي ويثبت ريشه ثم يحسن بعد ذلك ويطير. ويتخذه الناس ويرسلونه من المواضع البعيدة، فيجيئ فيضان لذلك ويكرم، فقال ابوه: احسنت المثل، وقدمه علي أخيه، وحج اياس يوماً فسمع نباح كلب، فقال: هذا كلب مشدود. ثم سمع نباحه فقال: لقد أرسل، فلما انتهوا من الماء سألوا اهله، فكان كما قال، عندئذ سألوه: كيف عرفت؟. فقال: كان نباحه وهو موثق يُسمع من مكان واحد، فلما اطلق سمعته يقرب مره ويبعد مرة.. ومر ذات ليلة بناحية، فقال: اسمع نباح كلب غريب، فقيل له: كيف عرفت؟ قال: بخضوع صوته، وشدة نباح الآخر.
ورأي يوماً أثر رعي بعير فقال: هذا بعير أعور فقيل له: من اين علمت!.
فقال: لاني وجدت رعية من جهة واحدة.
الرجال
ومما يضرب وينسب إلي رجالات العرب، »شيبة الحمد«، كان يقال ذلك لعبد المطلب بن هاشم لنور وجهه، ذلك انه كانت في ذؤابته شعرة بيضاء حين وُلِد. اما (حاتم الطائي) فكان من اكرم العرب، وقيل »دُعَيميص الرَّمل« لرجل كان من أمهر أدلة الطرق، ضرب به المثل فقيل »أهدي من دعيميص الرمل ويقال أنه دخل وبار، وهي بلدة تزعم العرب أنها بلدة الجن ولم يدخلها إنسي غيره، فرمته الجن بالرمل حتي عمي، اما »وافد البراجم« فيضرب به المثل في الشقاء والجبن، ذلك أن اسعد بن المنذر أخا عمرو بن هند انصرف ذات ليلة من مجلس صفائه وهو ثّمِل، فرمي رجلا من بني دارم بسهم فقتله فوثب عليه بنو دارم فقتلوه، فغزاهم عمرو بن هند، وقتل منهم مقتلة عظيمة ثم اقسم ليحرقن منهم مائة فبذلك سمي محرقا، وأخذ منهم تسعة وتسعين رجلاً فقذفهم في النار، وأراد أن يبر قسمه بمن تكمل به العدة فمرّ رجل يقال له عمّار، من بني مالك، فتشمم رائحة اللحم، فظن أن الملك اتخذ طعاماً للاضياف، فعرج اليه، فأتي به. فقال له: من أنت؟ فقال: أبيت اللعن، أنا وافد البراجم، فقال عمرو: ان الشقي وافد البراجم، فصار مثلا للشقي يسعي بقدمه إلي مراق دمه، ثم أمر به فقذف به في النار ليتحقق قسمه ويقال »حمق هنبقة«. وهو يزيد من ثروان أو هبنقة ذو الوداعات، من حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظم وخزف وهو ذو لحية طويلة، فسئل عنها فقال: لأعرف بها نفسي. فبات ذات ليلة وأخذ اخوه قلادته فتقلد بها فلما اصبح هنبقه رأي القلادة في عنق أخيه، فقال له: يا أخي، إن كنت انت انا، فمن أنا؟
ويقال أيضاً حديث خرافة، وخرافة كان رجلا من بني عذْرة. استهوته الجنّ، فلما خلت عنه رجع إلي قومه، وجعل يحدقهم بالاعاجيب من أحاديث الجنّ، فكانت العرب إذا سمعت حديثا لا أصل له، قالت: حديث خرافة.
في الطيور
يقال (عتاق الطير) أي أحرارها، وهي تصيد ولا تصاد، مثل العقبان والبزاة، والصقور، والشواهين، ويقال ايضا (عتاق الخيل) هي التي لا يمكن ادراكها. ولكنها تُدرك إذا طلبت. وكثيراً ما يتردد (عنقاء مغرب)، ويضرب مثلا للشئ الذي يسمع به ولا يري، وإذا أرادت العرب الاخبار عن هلاك شيئ وبطلانه قالت: حلقت به في الجو عنقاء مغرب، اما (طيرالنار) فالمقصود به طائر السمندل، وهو يدخل النار فيعود شابا، ويقال (غراب البين) كان القوم يتشاءمون منه، ومن اسمه اشتقت الغربة، ويضرب المثل بحمام الحرم مثالا علي الأمن والصيانة. كما يقال (طوق الحمامة) مثالاً لما يلزم ومالا يبرح ويقيم ويستديم. ويقال (كمد الحباري) يضرب مثلا لمن يموت كمدا، فيقال، مات فلان كمد الحباري، ذلك ان الحباري إذا تحسرت فترت همتها، والقت ريشها كله مرة واحدة، حتي إذا رأت صويحباتها يطرن ولا نهوض لها فربما ماتت كمدا. ويضرب المثل ببيضة الديك، للشئ النادر يحدث مرة واحدة ولا تتكرر، إذ يقال إن الديك يبيض مرة واحدة في حياته.
الارض.. الدور.. البلدان
تقول العرب (سمع الارض وبصرها)، عندما يلتقي اثنان ولا ثالث لهما الا طول الارض وعرضها، وتقول ايضاً (امانة الارض)، و (كتمان الارض) لأنها تحفظ ما يودع فيها.
ويُضرب المثل بدار أبي سفيان في الأمن، ذلك ان الرسول الكريم لما فتح مكة ودخل دار أبي سفيان قال »من دخل دار أبي سفيان فهو آمن«.. اما قصر غمدان، فأحد ابنية العرب المتينة، الشهيرة، كان بصنعاء، تسكنه ملوك حِميْر، ثم تنقلت به أحوال أدت إلي خرابه، ومايزال موضعه معروفاً في صنعاء حتي يومنا هذا. ومما ضرب به المثل ايضاً (أهرام مصر) في الثبات والقدم والحصانة، وكان عبدالله بن عمرو بن العاص يقول: عجائب الدنيا اربع، منارة الاسكندرية، وكنيسة الرها، ومسجد دمشق، وقنطرة سنجة.
وضرب المثل بخراج مصر في الكثرة. وكتان مصر، وقطن خراسان، وتفاح الشام، قال الشاعر.
تفاحة شامية
من كف ظبي غزل
ما خلقت مذ خلقت
لغير تلك القبل
كأنما حمرتها
حمرة خد خجل
ويقال ايضا (زجاج الشام) يضرب به المثل في الدقة، و (زيت الشام) للجودة والنظافة، ويقال (عود الهند) مثلا علي طيب الرائحة، و (سيوف الهند) للجودة، و (سيوف اليمن) لحدتها، و (ثياب الروم) لحسنها، و (سكر الاهواز) لجودته، و (ورد جُور) لطيبه، و (سجاد أرمينية) لفخامته، و (طرائف الصين) لندرتها. و (مسك التبت) لجودته.
كما يضرب المثل بطرب الزنج، وهم محبون للغناء والرقص، ويقال (حمي الأهواز) لشدة فتكها. و (هواء جوجان) لنقاوته وسرعة تغيره، و (برد همذان) لوعورته.
هكذا.. يمضي الثعالبي ليذكر لنا ما يضاف وينسب الي النار. والماء، والشجر، واللباس والثياب، والطعام، والشراب، والسلاح، والحلي، والليالي، والازمان والأوقات، والأدب وما يتعلق به، ثم يخصص الباب الستين للأقوال التي يستشهدون بها، مثل »عرق الموت« ويضرب مثلا لاشد الشدة، و (غضب العاشق) ويشبه سحابة صيف لأنه لا يدوم، و (لذة الخلسة) وهو ما يمتع أكثر، ويقال (ينبوع الاحزان) انشد عبيد الله بن طاهر:
ألم تر أن الدهر يهدم ما بني
ويأخذ ما أعطي ويفسد ما أسدي
فمن سره الا يري ما يسوءه
فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا
ويصل الثعالبي بنا الي خاتمة الأبواب، ويخصصه للجنان، كان يقال (جنة الدنيا) ويقال ان المقصود بها الشام، ولما أفرج هرقل عن بلاد الشام وفر هاربا الي بلاد الروم بكي وغشي عليه، فلما أفاق قال: السلام عليك يا سوريا، يا جنة الدنيا، سلام غير ملاق. ويقال (باب الجنة) و (روضة الجنة) و (كنوز الجنة)، كان يقال: اربع من كنوز الجنة: كتمان المصيبة، وكتمان المرض، وكتمان الفاقة، وكتمان الصدقة.
هكذا يختتم ابو منصور الثعالبي النيسابوري كتابه الفريد، والذي حفظ لنا فيه ما كان يمكن ان يتبدد نثاراً فلا تدركه الافئدة، وبصرنا ببعض ما يشيع علي السنتنا حتي الان، ونحن نجهل اصله.
غفر الله له ورحمه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.