ما من أحد إلا وبهره أداء الانسان الصيني، وتمني لو استطاع التواصل معه للتعرف علي أسرار نجاحاته.. وكثيرا ما تكون اللغة عائقا أمام إحداث هذا التواصل.. وخلال وجودي في مدينة أنطاليا التركية للمشاركة في الملتقي الدولي للاعلام السياحي تعرفت علي وان تشو تشون.. صحفية صينية نشطة جدا تعمل مراسلة في العاصمة التركية أنقرة لحساب وكالة الأنباء الصينية »شينخوا«.. رأيتها وسمعتها تتحدث الانجليزية بطلاقة وهو ما شجعني علي الاقتراب منها والتحدث معها.. توطدت علاقتنا خلال الأيام الخمسة التي قضيتها في مدينة أنطاليا الساحرة خاصة بعد ان علمت انها زارت مصر للسياحة في الأقصر وأسوان وانبهرت بالحضارة الفرعونية وبطيبة وبساطة الانسان المصري في الجنوب. عندما تبادلت مع وان تشو تشون بطاقات التعارف أردت ان استعرض عضلاتي وأثبت لها أنني استطيع أن انطق اسمها بالصينية من خلال البطاقة.. الاسم بثلاثة مقاطع ينتهي كل مقطع بحرف »g« ويبدأ المقطع الثاني بحرف (X).. قلت لها: اسمك وانج اكسونج تانج.. وما ان انتهيت من المقطع الثالث إلا وقد انتابتها كريزة من الضحك وكأنها سمعت أحلي نكتة في حياتها.. طبعا لم تكن هناك حاجة لأسألها لماذا ضحكت بعد أن أدركت اني »عكيت«.. ولما توقفت وان عن الضحك اعتذرت وطلبت منها ان تغفر لي جهلي وسألتها ان تنطق الاسم بنفسها حتي أكتبه صحيحا باللغة العربية.. بدأت تنطق الاسم بهدوء وهي تركز عينيها الضيقتين علي الورقة التي أكتب فيها وكأنها تريد أن تتأكد اني أكتبه بطريقة صحيحة.. اسمي: وان تشو تشون. تكنولوجيا الفراعنة .................................؟ نعم زرت مصر ولكن مرة واحدة فقط، وقضيت أياما لا أنساها في الأقصر وأسوان وأبوسمبل وزرت الآثار والمعابد الفرعونية.. لقد شعرت بالذهول وأنا أري آثار الحضارة الفرعونية ومن يومها وأنا اسأل نفسي عن الكيفية التي شيد بها الفراعنة معابدهم ومنشآتهم.. وأي نظريات هندسية تلك التي كانوا يتعاملون بها.. وأي حسابات دقيقة التي أعطتهم القدرة والبراعة علي تحديد موقع غرفة في معبد أبوسمبل يسقط عليها شعاع الشمس عند الشروق في يوم عيد ميلاد الملك؟! بالتأكيد هؤلاء الناس كانوا يمتلكون تكنولوجيا عالية جدا استطاعوا بها إنجاز حضارة عظيمة مازالت تبهر العقول البشرية.. وحتي بالتكنولوجيا المتطورة جدا الموجودة الآن لم يستطع العلماء التوصل إلي كيفية بناء الأهرامات ولا أساليب التحنيط.. لقد كدت أجن وأنا أشاهد آثار الفراعنة حتي اني شعرت بأنها ليست آثارا لحضارة اندثرت ولكن لحضارة مازالت حية حتي الآن. .................................؟ أسعدني كثيرا التعامل مع أهل النوبة فهم طيبون وبسطاء إلي أقصي درجة.. وقد أصر أحدهم علي استضافتي والاحتفاء بي في بيته وسط أسرته.. ما هذه الروح الجميلة؟.. انهم لا يصطنعون البسمة ويتعاملون معك وكأنهم يعرفونك من عشرات السنين. شربت ماء النيل .................................؟ أثناء الجولة النيلية حدثوني عن الاعتقاد السائد عندكم بأن من يشرب من ماء النيل لابد أن يعود مرة أخري لزيارة بلدكم.. وصدقني فإنه منذ انتهاء زيارتي الأولي تسيطر عليّ الرغبة للعودة مرة أخري، فأنا أريد أن أعرف وأشاهد أكثر وأكثر واستعيد من جديد أحاسيس الدفء التي عشتها في جنوب مصر. .................................؟ لي بعض الأصدقاء من الصينيين الذين يعملون في القاهرة ويعيشون فيها لفترات.. كلهم سعداء بوجودهم في مصر وبمعاملاتهم مع المصريين وإن كان يزعجهم الزحام الشديد في شوارع القاهرة، ويقولون ان عدد السكان والسيارات يفوق طاقة العاصمة بكثير، كما أنهم منزعجون من عشوائية المباني في بعض المناطق. .............. كثير من الصينيين يعشقون مصر ويحبون زيارتها، خاصة في فصل الشتاء حيث يكون الجو ملائما جدا للصينيين، وتقوم وكالات السياحة بتنظيم رحلات كثيرة لمصر بدءا من شهر فبراير. نحن دولة نامية! ......................؟ هناك تشابه كبير بين بلدينا.. فأنتم مثلنا أصحاب حضارة وتاريخ.. وحتي في العصر الحديث هناك اتفاق في الآراء والتوجهات السياسية بين مصر والصين تجاه المشاكل العالمية، كما أننا نشترك في كوننا بلادا نامية تسعي لتطوير نفسها!! عند هذه النقطة أبديت دهشتي وسألت وان تشو تشون كيف تقول عن بلدها انها دولة نامية في الوقت الذي ينظر لها العالم كقوة عظمي ويحسدهم علي الانتاج الضخم الذي يغزو العالم حتي ان الغرب يصفهم بالتنين الصيني المرعب؟!.. قالت: أنتم لا تدركون معني ان عدد سكان الصين مليار و002 مليون نسمة نحن نمثل ربع سكان الدنيا.. وهذا الرقم يفرض علينا ان نعمل وأن نعمل بكثافة لأن من لا يعمل عندنا لا يستطيع الاستمرار في الحياة وسيموت.. صدقني نحن فقراء وغلابة، والحكومة تعدنا بأن الوضع سيتحسن يوما ما، بل ان المسئولين يركزون دوما علي ان الطريق أمامنا مازال طويلا حتي نصل إلي مرحلة التوازن. الانتاج سر حياتنا .................................؟ هذا الانتاج الضخم مبعثه ان العمالة الصينية تحصل علي أجور ضعيفة بسبب الكثافة السكانية المهولة مثلما هو حادث في الهند، ومن لا يقبل العمل بأجر بسيط لن يجد لقمة العيش وسيكون مصيره الموت.. عندنا مشاكل كثيرة والحكومة تبذل جهدا لحلها، ولكن الطريق كما قلت لك مازال طويلا! .................................؟ النجاح والابهار الذي رأيتموه في الأوليمبياد الأخيرة سببه احساسنا بالفشل الذريع الذي شعرنا به عندما استضفنا اوليمبياد 0991.. وبسبب هذا الفشل فقد بذلت الدولة ومعها الناس جهدا جبارا من أجل انجاح الأوليمبياد هذه المرة.. لقد قامت الدولة بتهيئة عقول الصينيين لاستقبال ضيوف الأوليمبياد، حتي انها علمت حتي سائق التاكسي كيف يتعامل مع الأجانب، وشجعت الكثيرين علي تعلم الانجليزية حتي يسهل التواصل مع الوفود خلال الأوليمبياد. لقد أفادت الأوليمبياد الصين كثيرا ليس فقط من الناحية الاقتصادية ولكن الأهم أنها قربتنا أكثر بجميع شعوب الكرة الأرضية وجعلتهم يعرفون الصينيين من الداخل، وليس فقط من خلال الصورة التي تقدمها وسائل الاعلام والتي تكون في أحيان كثيرة غير دقيقة.