قيام البابا تواضروس الثاني بزيارة السفير السعودي إلي مصر ذات دلالات رمزية عديدة تجعل منها لحظة تاريخية بحق، في حدود ما قرأت وما أعلمه من حوادث التاريخ تعتبر الأولي من نوعها، خطوة عملية جديدة من أقباط مصر علي تحية من ساند مصر في لحظة حرجة ودقيقة بعد ثورة الشعب المصري الاسطورية في الثلاثين من يونيو والتي دفعت قوي عظمي في الغرب باتخاذ مواقف شديدة العداء لمصر والمصريين وصلت إلي حد مساندة الإرهاب الدموي الإخواني، كان خروج المصريين الاسطوري نقيا، هادراً ضد الحكم الإخواني الذي تسلل إلي مسيرة التاريخ المصري في لحظة خاطئة تماما جري فيه الاعتداء علي الدولة المصرية ومقوماتها الأساسية، وعلي ثقافة المصريين العميقة وأهمها التعايش، مصر ليست دولة اسكندنافية أو تقع في أطراف العالم منعزلة. إنما تقع في قلب العالم القديم والحديث، تؤثر وتتأثر، ولولا موقعها لما عرفت الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، وفي إطار القانون الأساسي الذي يحكم استمرارها في الزمان والمكان القائم علي مبدأين أساسيين، الاستمرارية رغم الانقطاع، استطاعت ان تستوعب الوافد، تقبله وتغيره، تعتنق الديانة التي ظهرت في بقاع أخري وتضيف إليها، جري ذلك مرتين، عندما اعتنقت المسيحية ثم الإسلام، جري تفاعل دقيق مازال في حاجة إلي فحص علمي ودراسة، أضافت مصر إلي المسيحية من روحها، هكذا أظهرت الكنيسة القبطية أقدم كنائس العالم علي الإطلاق، قبلت مصر الإسلام وأضافت إليه الوسطية وتلك الصبغة الأساسية التي جمعت بين السنة والشيعة في مزيج رائع، فنحن سنة من ناحية المذاهب والتشريع وشيعة من ناحية المضمون، ليس في مصر تلك الحدية التي نجدها في أقطار أخري، مكنت ثقافة المصريين من تأسيس مكين للتعايش بين مختلف الأديان والملل، وعندما تضعف مصر ثقافيا وتهن الدولة تطفو المشاكل، وكان من أخطر ما جري، الاحتلال الإخواني الذي فاق جميع أشكال الاستعمار الأجنبي خطورة، وذلك لانغلاق الجماعة علي نفسها وضيق رؤيتها والانحراف بالإسلام عن رؤيته الكونية، عاني الأقباط كثيرا خلال العام الذي حكمت فيه الجماعة، أحرقت دور عبادتهم وقتل بعضهم لمجرد انهم أقباط، وكان رد فعلهم راقيا، رائعا، الحرص علي وحدة الوطن، وتحمل الاضطهاد الإخواني في صمت وعدم لجوئهم إلي استثارة المجتمع الدولي خاصة الغرب الذي عميت القوي النافذة فيه عن رؤية ما يجري، بالعكس، عندما بدأ الموقف العدواني للإدارة الأمريكية ضد ثورة يونيو قام الأقباط في الولايات المختلفة باصطحاب أسرهم حتي الأطفال وسجلوا في مكاتب الإدارة الأمريكية آراءهم حول ما جري في مصر باعتباره ثورة شعبية عميقة وليس انقلابا كما جري الترويج له، خاطبوا أعضاء الكونجرس وتحركوا ليس كأقباط ولكن كمصريين يحركهم الحرص علي سلامة الوطن الأم. سلامة الدولة المصرية إحدي أهم العلامات الرمزية لزيارة قداسة البابا تواضروس إلي السفارة السعودية، سفارة المملكة التي آزرت مصر وماتزال في لحظة حرجة تاريخية.