نوال مصطفى كيف أحسب عمري. .بالصحف التي أصدرتها أواشتركت في تحريرها ؟بعدد تلاميذي أم بعدد قرائي؟ بالانتصارات التي حققتها أم بالهزائم التي منيت بها؟ لوكانت هذه القاعدة الحسابية صحيحة. . فلابد أنني عشت ألوف السنين !" في 21 فبراير 1914 ولد توأم متشابه في كل شئ. الملامح تكاد تكون متطابقة، لدرجة أن أمهما اضطرت لأن تحيط معصم كل منهما بشريط بلون مختلف، أحدهما أحمر والثاني أزرق حتي تستطيع التمييز بينهما. كبر التوأم لتظهر ملامح شخصية كل منهما، فإذا بهما عقل واحد في جسدين! يفكران معا. يخططان لأيامهما معا. يحلمان نفس الحلم. تضرب المدرسة أحدهما في فصله، فيبكي الثاني تلقائيا في الفصل المجاور دون أن يضربه أحد! وكأنهما يتشاركان نفس الإحساس عن بعد. شاء قدرهما أن ينشآ في بيت الأمة، حيث يعيش الزعيم سعد زغلول (خال والدتهما). بيت يظلله الحب، وتفوح في فضائه مشاعر الوطنية الخالصة. نشآ في رحاب بيئة سياسية زرعت في الطفلين روح الكفاح وحب النضال فتأصلت في وجدانهما قيم العمل والإخلاص والإتقان والتميز. عبقرية مبكرة في طفولتهما المبكرة كتبا معا صحيفة بخط اليد اسمياها "أخبار الدار" كانا يكتبان فبها أخبار أسرتهما الصغيرة، كما كانا يلخصان المناقشات السياسية المهمة التي كانا يستمعان إليها دون أن بشعر بهما أحد أويتخيل أن هذين الطفلين المعجزة قادران علي فهم قضايا الوطن وكلام كبار السياسيين الذين يجتمع بهم سعد زغلول في بيته المسمي »بيت الأمة«. كبر الطفلان التوأم، وتفجرت موهبتهما الفذة، الفريدة في الكتابة والسياسة. ظهرت عبقريتهما في سن مبكرة للغاية، وببراءة كانا يذهبان لأصحاب الجرائد في ذلك الوقت بمقالاتهما وهما يرتديان " شورت" مثل كل من في عمرهما، كان ذلك يثير ضحكات موظفي الأمن بتلك الجرائد، عندما يطلب الطفلان الصغيران مقابلة رئيس التحرير ليقدما له إنتاجهما الصحفي ! كان موظف الأمن يضحك ويقول لهما :روح يا حبيبي هات حد كبير. ولم يكذب التوأم خبرا ذهبا بالفعل يبحثان عن رجل كبير يقنعانه بالفكرة، وهي أن يعطياه مقالاتهما ليقدمها هو باسمه، ونجحا في إقناع رجل بسيط في شارعهما بأن يقوم بالمهمة واتفقا معه بأن يتقاضي الأجر الذي سيدفعه صاحب الجريدة إذا ما اقتنع بالمقالات ونشرها في جريدته. ونجحت الفكرة! اعجب صاحب الجريدة بمقالات الرجل ونشرها وصرف له مكافأة عنها. وظل التوأم يكتبان والرجل ينشر لسنوات طويلة حتي كبر الطفلان وصارا شابين يافعين. وهنا بدآ مشوارهما الفريد في مهنة الصحافة. التوأم.. الأسطورة أتحدث عن أسطورة الصحافة المصرية مصطفي وعلي أمين اللذين نحتفل بمئويتهما في 21 فبراير 2014. قصة حياة تستحق أن تروي وأن يقرأها شباب اليوم خاصة في تلك المرحلة الدقيقة في تاريخ الوطن. قصة مليئة بالمعني والمغزي تعلمنا معني الحب الحقيقي في أسمي صوره. حب الوطن بشكل عملي وإيجابي، وملموس. حب المهنة والتفاني في الإرتقاء بها. حب الشعب المصري والقتال بالكلمة والفكرة من أجل كشف الحقيقة أمامه، مهما كانت موجعة للمسئولين، والإنتصار للمظلوم والفقير والمواطن البسيط بكل ما تحمله هذه الكلمة. لا أستطيع أن أفوت هذه المناسبة دون أن أقبس بعضا من سطور مصطفي أمين، وأستدعي ومضات مضيئة من فكره وفلسفته في الحياة. سطور يفوح منها عبق مدرسته الصحفية الرائدة التي عاشت واستمرت حتي الآن شاهدا علي خلود الفكرة رغم رحيل صاحبها. مدرسة »أخبار اليوم « الصحفية التي بدأت بإصدار أخبار اليوم في 11 نوفمبر 1944 واستمرت حتي الآن. مدرسة مصرت الصحافة بعد أن كانت ملكا للأجانب. مدرسة الخبر الصحفي، الصورة، الكاريكاتير، الإنفرادات الصحفية، مدرسة اطلاق المواهب الصحفية وتصديرها إلي كل الصحف الأخري في مصر وخارج مصر. المدرسة التي أسست الصحافة الإنسانية في مصر وبرعت في نشر قصص الناس الحقيقيين في ربوع الوطن. مصطفي أمين قصة حب لا تموت في وجدان كل أبناء هذه الدار العريقة حتي هؤلاء الذين لم يعاصروه. حتي الذين لم يحضروا اجتماعات يوم الجمعة التي كان يعقدها ويحضرها كل تلامذته سواء من محرري أخبار اليوم أوغيرها من الصحف المصرية والعربية. فكرة إليكم الآن سطور من "فكرة" عموده اليومي في الأخبار تحمل بعضا من نفحاته : "كنا دائما نفكر في الغد. لم نعش في الأمس أبدا. كنا نكتب أحلامنا علي الورق ونحاول ان نحقق ما كتبناه. وكنا نكتب أحلامنا في مفكرة ونسجل في أول يناير ما نتمني أن نصنعه قبل آخر يوم في شهر ديسمبر. والغريب أننا حققنا جميع أحلامنا كما تمنيناها. . ولكن شيئاً واحداً لم يخطر ببالنا هوأن يموت واحد منا ويبقي الآخر علي قيد الحياة". وفي فكرة أخري كتب : "كان صدورها أشبه بقنبلة هزت شارع الصحافة، فأربكت كل الصحف المنافسة، وتساءل الجميع : هل يمكن أن تولد جريدة عملاقة من العدد الأول!، لقد نفدت كل نسخ العدد الأول بعد ساعة من صدورها صباح 11 نوفمبر 1944.. ووزعت 110 آلاف نسخة وهورقم لم تكن صحيفة في الشرق الأوسط قد وصلت إليه في ذلك الوقت". وفي فكرة أخري كتب: "قد يتساءل البعض ما هوشعوري نحو دار أخبار اليوم التي تركتها، ونحو أخبار اليوم والأخبار وآخر ساعة والجيل والمختار التي تخليت عن تحريرها. ما هوشعوري اليوم نحوالصحف التي أعطيتها روحي ودمي وعمري وشبابي؟، إنني أشعر أن هذه الصحف هي أولادي! إنها قطعة مني، وأنا قطعة منها!، إنها ماضي وحاضري ومستقبلي، إنها آلامي وأحلام حياتي إنها دموعي وضحكاتي، إنها ليست ورقاً وحبراً، وإنما هي أنفاس وزفرات. إن حبرها هو دمي. . وورقها هوأعصابي. . وكيانها هو روحي. ولا يمكن لأب أن يتنكر لأبنه لانه ابتعد عنه بضع خطوات. إنني سأنظر إلي هذه الصحف كما ينظر الأب إلي بناته اللاتي كبرن وتزوجن، وتركهن ليعشن مع أزواجهن سعيدات!". معرض الكتاب الأربعاء: ذهبت إلي معرض الكتاب وداخلي مشاعر قلقة ليس خوفاً من التفجيرات والأعمال الإرهابية بقدر ما هو قلق علي تراجع الثقافة في مصر مع الأحداث المتلاحقة التي تمر بها البلاد، لكنني فوجئت بإقبال طيب لا أستطيع أن أقول إنه كبير بحجم ما كنا نراه قبل ثورة 25 يناير ولكن علي الأقل كان مقبولاً بل ومرضياً بالنسبة للظروف الراهنة، استوقفتني عناوين الكتب الجديدة وأشكال الأغلفة التي اختلفت كثيراً عن الشكل التقليدي للكتاب وكأن التمرد قد طال خطوط الفن وتصميمات المخرجين وهذا شيء جيد. اقتنيت ثلاثة كتب في زيارتي الأولي للمعرض علي أن أكمل باقي المشتريات في يوم آخر. الأول كان كتاب " رحلة البحث عني. . رواية حياة" للدكتورة لوتس عبد الكريم، ورواية »ساق البامبو« للكاتب سعود السنعوسي الحائزة علي جائزة البوكر العربية 2013، وكتاب آخر اشتريته علي سبيل الفكاهة والسخرية الفكرية وعنوانه "كيف تكسب المال بدون تعب". كتاب لوتس عبد الكريم يحكي قصة حياة غير عادية لكاتبة عاشت تنهل من رحيق الثقافة أينما حلت. سافرت إلي معظم بلاد الدنيا والتقت كبار الشخصيات السياسية في العالم وتعرفت علي ثقافات مختلفة وشعوب متعددة، وصهرت كل ذلك فيما يشبه حالة ثقافية صنعتها من خلال صالون ثقافي جمعت فيه كبار الفنانين التشكيليين ونجوم الموسيقي والغناء وأهل الفكر والكلمة واستمرت تؤدي هذا الدور الثقافي طوال حياتها. إلا أن الجانب الإنساني في حياتها من وجهة نظري هوالأهم والأقوي في تلك السيرة الذاتية حيث روت علاقتها بالملكة فريدة التي استضافتها لوتس في بيتها في الفترة الأخيرة من حياتها وأقامت لها معرضاً دائماً للوحاتها الفنية، وظلت معها كأخلص إنسان حتي الرمق الأخير في حياتها، الكتاب جميل ومليء بالمواقف المؤثرة التي تحمل معني الحياة وتناقضاتها في آن معاً. أحلي الكلام: الأشخاص الذين يملكون ضوءاً داخلياً يشع من نفوسهم.. لا يحتاجون إلي إضاءة خارجية تسلط عليهم.