مجرد نجاحات جزئية، لا يمكن وصف أي منها بأنه اختراق! بعد نحو ثلاثة عقود علي اكتشاف الايدز، أو ڤيروس القرن- ال20 بالطبع- كما يصفه بعض العلماء، لم تؤد كل الأبحاث والجهود العلمية والمعملية إلا لانتاج امصال محدودة النتائج، حتي نجح فريق بحثي في التوصل لعقار قادر علي حماية بعض المرضي، ورغم ان الأمر يمثل بحد ذاته لغزا حتي الآن، إلا انه فتح ثغرة في جدار سميك شديد الصلابة، فالاجابة عن سؤال لماذا البعض ينجح معهم؟ أسهل بكثير من مواجهة السؤال الذي يتكرر منذ ثمانينيات القرن الماضي: لماذا فشلت كل جهود العلماء والباحثين في تحضير »المصل المثالي« المضاد للايدز؟ في أواخر عام 8002 بشر العالم الفرنسي الحائز علي نوبل في الطب لوك مونتانييه بأن تجهيز المصل المطلوب، قد يتم خلال أربعة اعوام، واليوم فإن نصف المهلة انقضي، ومع بزوغ أمل يتمثل في انتاج مصل مكون من لقاحين معدلين وراثيا إلا ان القائمين علي التجارب التي قادت لانتاجه، لا يتحمسون كثيرا لوصف ما توصلوا اليه بأنه »اختراق«، ويميلون الي اعتباره مجرد خطوة مهمة علي الطريق. لكن ما يجعل أبواب الأمل مشرعة أن مواقع عديدة في كل القارات، تشهد مساعي وتجارب عملية ومعملية لانتاج »المصل المثالي« القادر علي هزيمة ڤيروس الايدز، بكل خبثه وقدرته علي التحور والتحول، شأنه شأن كثير من الڤيروسات التي يعوق هذا السلوك من جانبها جهود العلماء لقهرها. ولعل ما يجعل الأمل الآن بعيدا عن حدود المبالغة، ان الفرق البحثية أصبحت قادرة علي فهم التفاعلات التي تحدث بين ڤيروس الايدز وجسم الانسان بشكل أفضل مقارنة بما كان قائما خلال كل المراحل السابقة منذ اكتشاف الڤيروس في أوائل ثمانينيات القرن ال 02. وربما تنصب الجهود خلال المرحلة المقبلة باتجاه انتاج »المصل المثالي« من تركيبة أو »كوكتيل« مكون من عدة لقاحات، حيث يعني ذلك استطاعته توجيه »ضربة استباقية« لقدرة الايدز علي التحول، اذ لا يبقي في حالة تركيبية ثابتة، مما يصعب المهمة التي تواجه فرق البحث التي تسابق الزمن بعد ان تجاوز عدد الضحايا ال 52 مليون قتيل، بينما هناك عشرات الملايين يراوحون بين الرجاء في انتاج مصل ينقذ ما تبقي من أعمارهم، أو تعرض الجهود لنكسة تقضي علي الآمال التي انتعشت في نفوس المرضي عند الاعلان لأول مرة عن امكانية انتاج عقار ناجع، حتي لو كان ذلك بالنسبة للبعض فقط! والآن فان الرهان علي ان المصل المثالي للايدز علي بعد خطوات قليلة، مسألة يصعب القطع بها، إلا ان كثيرا من العلماء بات لا يخشي التأكيد علي ان ما تم إحرازه خلال السنوات الماضية، يعني ان الجهود الحالية تمضي علي الطريق الصحيح حتي وان كان طويلا بعض الشيء. ثمة مؤشرات ايجابية- في ذات السياق- تتمثل فيما تم تحقيقه من تقدم واضح في مجال تطوير الامصال ذات القدرة علي تقليل حمولة الڤيروس، وكذلك احباط انتشاره في الدورة الدموية، وتسجيل تقدم ملحوظ في صحة بعض المصابين عقب تطعيمهم، مما يحد من الصورة الوبائية لانتشار الايدز. وحتي يصبح الحلم حقيقة، ويكون المصل المثالي في متناول كل ضحايا الايدز، فإنه سوف يبقي أحد التحديات الكبري امام البشرية ليس فقط علي المستوي الصحي، ولكن علي المستويين الأمني والتنموي بنفس القدر.