ارتفاع أسعار الذهب الفورية اليوم الخميس 31-7-2025    نمو مبيعات التجزئة في اليابان بنسبة 2% خلال الشهر الماضي    فورد تتوقع خسائر بقيمة ملياري دولار هذا العام نتيجة رسوم ترامب    هاريس ستدلي بشهادتها في الكونجرس بشأن الحالة العقلية لبايدن والعفو عن 2500 شخص    ترامب يهدد كندا حال الاعتراف بدولة فلسطين: لن نعقد اتفاقا تجاريا    20 شاحنة مساعدات إماراتية تستعد للدخول إلى قطاع غزة    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بشمال سيناء    ملعب الإسكندرية يتحول إلى منصة فنية ضمن فعاليات "صيف الأوبرا 2025"    سعر الدولار اليوم الخميس 31-7-2025 بعد تسجيله أعلى مستوياته خلال 60 يومًا    معتقل من ذوي الهمم يقود "الإخوان".. داخلية السيسي تقتل فريد شلبي المعلم بالأزهر بمقر أمني بكفر الشيخ    "ابن العبري".. راهب عبر العصور وخلّد اسمه في اللاهوت والفلسفة والطب    قناة السويس حكاية وطنl القناة الجديدة.. 10 سنوات من التحدى والإنجاز    الرئيس الفلسطيني يرحب ب"الموقف التاريخي والشجاع" لكندا    لليوم الرابع، ارتفاع أسعار النفط وسط مخاوف من تأثر الإمدادات بتهديدات ترامب الجمركية    دعمًا لمرشح «الجبهة الوطنية».. مؤتمر حاشد للسيدات بالقليوبية    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    قناة السويس حكاية وطن l حُفرت بأيادٍ مصرية وسُرقت ب«امتياز فرنسى»    الطب الشرعى يحل لغز وفاة أب وابنائه الستة فى المنيا.. تفاصيل    سلاح النفط العربي    حرمه منها كلوب وسلوت ينصفه، ليفربول يستعد لتحقيق حلم محمد صلاح    نحن ضحايا «عك»    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    طريقة عمل سلطة الفتوش على الطريقة الأصلية    المهرجان القومي للمسرح يحتفي بالفائزين في مسابقة التأليف المسرحي    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    بينهم طفل.. إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق فايد بالإسماعيلية (أسماء)    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    السيارات الكهربائية.. والعاصمة الإنجليزية!    424 مرشحًا يتنافسون على 200 مقعد.. صراع «الشيوخ» يدخل مرحلة الحسم    الحقيقة متعددة الروايات    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    اصطدام قطار برصيف محطة "السنطة" في الغربية.. وخروج عربة من على القضبان    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
لعلي أقمت معه جسرا
نشر في الأخبار يوم 03 - 12 - 2013

عندما قال لي إن سلاح المهندسين عالج الموقف. عدا شهيد واحد طالب في المعهد الديني. سألت بدهشة وما علاقة المهندسين بهم؟
أذيع البيان العسكري حوالي الثانية ظهرا، أمر عند الناصية الأولي في ركني الركين، أمام مسجد سيدي مرزوق. أول شارع قصر الشوق، دكان العسال للخردوات، ثم مقهي البنان، الآن أنا أمام المقهي، أتوقف، الصوت ينبعث من الراديو الموضوع فوق الرف، ثمة شيء مختلف في الصياغة، اعتراف بنزول قوات العدو وتمركزها في جزيرة شدوان وبدء أعمال المقاومة، استمرار القتال، توقف بعض المارة، ترددت أدعية وتساؤلات.
»الله ينصرهم«.
».. دي الصاعقة يابا...«.
»العدد الكبير.. يا حرقة قلوب أهاليهم..«.
يحتج آخر مذكرا أنهم شهداء عند ربهم يرزقون، لا أذكر إلي أين كنت أتجه؟!، غير انني صعدت السلم المؤدي إلي المبني التاريخي، موسي صبري في صالة التحرير، هذا يعني استثنائية الظرف، يتصورها والمكان البيضاوي كخلية النحل، يبتسم حنفي مشجعا. مكرم بجوار سكرتير التحرير، الأستاذ اسماعيل، كان بدينا إلي حد ما، دائما يمسك بصفحات تجارب. لم أره يبتسم إلا قليلا، أتذكره بوضع معين، يقف، وجهه إلي النافذة الرئيسية.
»حاول أن تسافر بأقصي سرعة..«.
الطريق إلي الغردقة طويل، كان لابد من النزول إلي قوص وعبور الصحراء إلي سفاجا، انه طريق الحج القديم، بعد احتلال سيناء تم فتح طريق عرضي يبدأ عند الكريمات، يحتاج قطعه إلي خمس ساعات بالعربة مائة ثمانية وعشرين ، سوداء اللون، أعرف الطريق إلي محافظات الصعيد، خاصة سوهاج، احفظ المعالم وأحدد التضاريس، تنقلت كثيرا ونزلت مدنا صغيرة وقري شرق النهر وغربه، لا نعرف مصر، والله لا نعرفها. الواحات داخلة أو خارجة كأنها عالم آخر، أشجار الزيتون بدلت المشهد أما النخيل فصاحب وصامد، أيا كانت الريح لا تنال من النخلة ولا تثني جذعها.
الطريق فسيح، الجبال إلي اليمين خاصة متواليات من الصخر، أري تفاصيل عديدة، ربما بدأت المقارنة تحتد عندي، وهنت الآن، أتمدد في مواجهة النافذة، تقول النشرة علي لوحة الهاتف النقال ان المطر سيكون خفيفا والحرارة ثلاثة فوق الصفر.
الأنبا بولا
أطل من النافذة، سلم الحريق القديم أمامي مباشرة، يمر أمام الشقة كلها. لو قفز أحدهم من الطريق سيمسك به، رغم أنه مرفوع إلي مستوي الطابق الذي نقيم به، أشجار أصبحت عارية من أوراقها في ساعات، رأيت الخريف صباحا والشتاء عصرا، فلأرجئ هذا، سأتحدث عن هذا في وقته، بشكل عام يحيرني حالي، عندما أذكر مكانا حميما، هل أصفه كما عرفته في وقته، أم علي الهيئة التي أتذكره بها الآن.
جيد، جيدا جدا يا من تدعي فهمك للذاكرة لكثرة ما راقبتها وأخذت عنها، اشرح، بيّن لي، ما أراه من الطريق الذي كنت أحاول ألا أغفو عند عبوره حتي لا يفوتني منه أي مسافة ولو ضئيلة، لا أري منه إلا معني ذلك ان الصخر الذي أعاينه والتلال المحدودة الارتفاع تفد عليّ في مجملها وليس تفصيلها، بعد أربع ساعات ونصف تقريبا رأيت لافتة صغيرة تشير إلي التلال.
دير الأنبا بولا.
دير الأنبا أنطونيوس.
كيف وصلا إلي هنا؟ يتجدد السؤال بمناسبة قربهما مني أو قربي منهما، أعرف أن عين ماء في هذا القحل لابد أنها ساعدت كل منهما علي استمرارهما هنا، أي صمت أصغيا إليه، أي انقطاع واتاهما، كيف قطعا المسافة؟، قرأت كتاب حكيم أمين عن الأديرة في مصر، عدت إليه بعد ايابي، أقول باختصار، ما من مكان يمكن استعادته كما عرفناه، ما تراه الذاكرة قادما من مصدر آخر، الإنسان نفسه، ما عرفه وما مر به عبر المسافة المقطوعة، طوال السنوات المنقضية، المولية، العابرة لي أفكر في الأنبا بولا، في الرهبان السواح الذين حدثني عنهم البابا شنودة في مكتبه المتواضع بوادي النطرون عند زيارته خلال تحديد إقامته كما أمر الرئيس الأسبق أنور السادات، كل ما عرفته من أديرة علي الحافة، أقصد مصر طبعا، هنا ملاحظة أخري أو بارقة، لا أعرف كيف اسميها، مع التزامي بالسكينة والبعد عن كل اثارة لاحظت أن كل ما أستعيده ينتمي إلي الوطن الذي انتمي إليه رغم انني طفت الكوكب من شرقه إلي غربه ومن شماله إلي جنوبه، ورغم انني لا أتقن العوم وأشعر بالغربة والتوجس حتي لو طرت فوقه، إلا انني ركبت أنواعا من الزوارق والقطع البحرية ومنها غواصة، لا أزيد، سؤال آخر تردد عندي، لماذا لم ترصف الحكومات المتعاقبة بعد الثورة هذه الطرق؟ استعدت دهشتي عندما سافرت بالقطار وبالبر إلي أسوان مع فريق الكشافة، ما بين أرمنت وادفو كان طريقا متربا غير مرصوف، بدأوا في ذلك عندما شرع في السد العالي، ما من خطط، الضرورة أملت شق الطرق، بعد الكريمات قام الجيش بوصل كل محافظة في الصعيد إلي البحر الأحمر، آخرها طريق سوهاج الذي قاوموا رصفه طويلا بحجة انتقال الإرهاب عبره، أول من دعا إلي شقه مدرس ابتدائي، فكري زرزور، ركب حمارا وسلك المدقات والجبل المائل، يقال ان رجلا صالحا، لم يحدد الرواة إن كان مسلما أو مسيحيا، أدركه الوسن، نام تحت الصخرة، شيء ما فلقها، ربما زلزال خفي، ربما وجوده هو نفسه، عندما بدأت تميل من يده، سند الجلمود باصبعه وراحته، ومنذ ذلك الوقت يمشي السالكين أمناء، عاد فكري زرزور وطبع كتابا في مدينة سوهاج، وزعه بنفسه وأرسله إلي مكتب الرئيس وجميع المسئولين، جاءه خطاب شكر من مكتب الرئيس ناصر، وكان يعرف ان الرسالة من قبيل العادة، فلو أراد لقاءه، كيف سيتحقق ذلك، ما من شخص له صلة أعاره اهتماما، مات محسورا ولكن فكرته تجسدت في التسعينيات مما أذكره الأديب المرحوم عبدالعال الحمامصي الذي اعتاد كل سنة اثارة الموضوع، وكان الرئيس مبارك يسبقه قائلا:
»ستحدثني علي الطريق.. لن ينفذ..«.
لكنه نفذه وافتتحه عندما اقتنع، حاولت العثور علي ما كتبه فكري زرزور، لم أستطع، سوهاج الآن فيها مطار دولي، عشت تفاصيله مع محافظ يندر مثله، كثيرا ما حدثني عن ألمه للفقر الشديد في المحافظة.
»لا.. هذا فقر غير الذي تعرفه أنت..«.
هل سأوغل في سوهاج وأنأي عن الكريمات؟ البحر الأحمر الذي عرفته بعد معركة شدوان بأيام لا تكمل أسبوعا والموجود الآن شيء آخر.
فنار الضوء
تكوينات الصخور، تحولات الضوء، ما بين العصر والمغرب تولد درجات اللون البنفسجي، تتحول اليابسة، مستوية كانت أو متعرجة إلي ظلال، يبدو لي الطريق المتعرج أحيانا، الممتد في أوقات أخري متحددا، كأني أري السيارة بعيني طائر، المكان كله يعلق بي وكأني ألم به في ثانية حتي يلوح فنار الزعفرانة، أول فنار أطالعه، الفنار الفنار، قرأت في صحف يومية تحقيقات عن فنارات البحر الأحمر، آخرها عند جزيرة الاخوين، محمد بعد اتقانه الغطس، ربطوا القارب علي شاطئها قال انها قريبة من الشاطئ السعودي، لسفن التموين بالمياه العذبة أيضا مواقيت لا أذكرها الآن، ينفتح الطريق علي البحر، لونان لم أعرف درجة انسجام مثلهما، لو سئلت عن التضاد والاتساق هما، رمادية الحجر المائل إلي البني، وزرقة البحر، الغميقة حيث العمق والأخف عند الأقل، الأزرق والبني من تجليات الأصل، أبيض، أسود، أصفر، أحمر، أزرق، لا يمكن استحضار واحد من هؤلاء، تلك أصول بكل تدرجاتها، ألوان الوجود، لماذا يبدو كوكبنا أزرق، الموضوع متشابك، صعب، لو فتحت فيه سيغطي علي هذا كله، لم يبتعد شيخي عبدالوارث، ورغم اختفائه فوجوده قوي، يتبعني أينما كنت، غاب فجأة وحُرمت من طلته، كان ملاذي عند بدء الكروب، إلا أنه لم يفارقني حتي في طريق الكريمات عندما كان حيا يسعي، توقفنا عندما يشبه المقهي، أو الكانتين، أو البوفيه، مررنا برأس غارب ولم نتوقف بها، لا نعرف أحدا، وكل لحظة تمر تأخير لا يجب أن نقع فيه، احتوي المكان كله في جزءين، في ومضة من الثانية، كأني أرقبه من منظار عند حافة القمر، التابع للأرض، البارد، المجرد من أي غلاف جوي، حيث لا رياح ولا مطر ولا نسمة، أرمسترونج وصحبه شاهدوا ذلك، لكم وددت أن أري لحظة شروق الأرض بما أنجزه الإنسان وما ارتكبه عليها من حماقات، رأيت الصورة غير أنني أفضل رؤية ما أرغبه بعيني الداخليتين، أعني بصيرتي، محصلة ما أعرفه، ما أتيح لي وما أتمناه، الفنار بأحجاره المكونة قطعة من نحت وليس بناء، أريد أن أعمل في هذا البهو، فنار الزعفرانة قريب، أريد المسئولية في جزيرة لا يوجد عليها إلا فنار وحيد في عرض البحر، أي عناصر حياة تلك؟ في اطارات سعينا إلي العيش نلقي ما نتمناه ولكن لا ندركه، ينير بعضه حيرتنا، يسافر ضوء الفنار ليرسو عند عيون عابرة لا مراسي قريبة لها. الضوء لغة ومصطلح، ما يعنيني ذلك المقيم الذي يهدي الضوء إلي حيث يجب أن يسلك ويمضي، في عمق الصمت والهدوء، نقاط المراقبة في مرتفعات الصحراء لا يتواجد فيها إلا شخص واحد، محمد قناوي لزم جبل عتاقة عاش علي أوراق الشجر الذي لا يعرف أنواعه أو اسمه وقطرات الندي، إذا لم يلحق بها فجر لا تمكث، تتبخر مع اطلالة الشمس حتي لو بلغت الحرارة ما دون الصفر، سجلت ما حكاه لي وقصه عليّ في »ريح الجبل« هذا اسمه الحركي الذي ينادي به عبر جهاز الاستقبال والارسال الذي كان مسئوليته الأولي والأخيرة، عندما نزل إلي المدينة بعد فك الحصار وظهور قوات الأمم المتحدة، اتجه مباشرة إلي مقهي أبو رواش، كل من يراه يولي بعيدا، قال لنفسه، هذا طبيعي، لحيته ولونه وهيئته في مجملها تخفي لكن عندما رأي أحمد وصحبه تمهل، ابطأ الخطو، ما لن ينساه أبدا انهم نظروا إليه بشفقة لم يتعرف أحدهم عليه، لكن الكابتن أدركه من زكة قدمه، كل أسرته، والده، اخوته تميل اليمني إلي الانحراف قليلا.
»دا.. محمد قناوي..«.
التفوا حوله، وكان بكاؤه صعبا،
مائة وأربعة وثلاثون يوما من الحصار، من بقائه فوق صخور عتاقة، ليست إلا امدادا لصخور الكريمات وتلك المحدقة بطرق فكري زرزور وسفاجا والقصير وعندما بدأت أسفاره بالجو، أيقن ان البحر الأحمر ليس إلا شقا كبير بالفعل، الصخور علي الشاطئ الآخر نفس الألوان والتدرجات والقطع، يبدو ذلك أوضح جنوب سيناء، قبل الدخول إلي شرم الشيخ وما بعدها،
من الزعفرانة إلي مدخل الغردقة طريق محازي للبحر، معظمه رصف بعد يونيو، كان المفروض أن يعد هذا كله قبل الحرب، الآن.. أري الغردقة أقل حتي من قرية عندما دخلناها قبل الغروب، فندق واحد كبير كان مغلقا، إدارة الشيراتون، الطريق الذي مررنا به كان هدفا لغارات إسرائيلية متتالية في أحدها تم فك جهاز رادار سوفيتي حديث جدا، كلفهم هذا الكثير، اذ انكشفت أسرار مهمة من المنظومة الدفاعية لحلف وارسو، هكذا قيل وقتئذ في صحف الغرب، لكن المؤكد ان قائد المنطقة فقد منصبه وكان اللواء أحمد اسماعيل، جاء بدلا منه اللواء سعد الشاذلي وكان ما بينهما ليس عامرا منذ مهمة الكونجو، لأول مرة التقي به، في نفس ليلة وصولنا التقينا بقائد المخابرات الحربية للبحر الأحمر، العقيد محمد مازن، عندما رآني قال »العقيد بدر تكلم مرتين ليوصي وليطمئن..«.
طلع معنا إلي الطابق الثاني، الليلة سنقضيها هنا، لنضع الحقائب ولنسرع إلي استراحة اللواء الشاذلي، في انتظارنا، الآن.. لا أقدر علي استعادة أي تفاصيل من المكان، ربما لأنني لم أكن أحب التدقيق عند اقترابي أو حلولي بأماكن القيادة ومواقع القادة أما مكرم فأخمد عدسات تصويره، للشاذلي حضور قوي، عيناه نفاذتان، طبقة صوته حادة، قارئ باللغتين، العربية والإنجليزية، عندما أهديته أحد كتبي، قلبه وراح يتصفح الكتاب، قال انه بعد العنوان يطالع الفهرس، منه يعرف المضمون، كان العشاء متواضعا، في وحدات أقل رأينا ما يعد أغزر، ثم أدركت انه يتظاهر بالأكل، قال انه لا يتناول شيئا بعد الخامسة، لاحظت رشاقة بنيانه، وهذا ما سيظل عليه بعد توليه رئاسة الأركان، كنت في مكتبه بوزارة الدفاع، المدير شقيق لأحد زملائي الكبار بحق، جلال عيسي رحمه الله، لا أذكره إلا في موقف ما، أما في الجمعيات العمومية للنقابة أو عند اعتراضه علي القانون 93، كنا في مسرح يوسف السباعي الملاصق للكلية الحربية، كان لبقا، مهذبا، عرف كيف يؤسس لمعارضة هذا القانون وامتد ذلك عدة سنوات، شقيقه الأصغر اللواء مظهر عيسي، ضابط مظلات ومن تلاميذ الشاذلي، طوال الأسبوع الذي أمضيته تحدثت طويلا إليه، تبدأ لقاءاتنا ليلا، وفي يوم الجمعة دعاني لزيارة سيدي أبوالحسن الشاذلي، قطعنا المسافة بالهليكوبتر، طائرة مخصصة لتنقلاته، كل ما طلبه تمت الاستجابة له مادام في حدود الامكانيات، بسرعة توثقت الصلات سألته عما قام به لقطع هجمات العدو تماما، قال انه عندما درس الموقف فور وصوله وجد عدد كبير من المواقع بها أعداد صغيرة من الجنود والضباط، قام بتجميعها في وحدات أقوي مجهزة، الشاطئ طوله ألفا وثلاثمائة كيلو حتي حدود السودان، يعني الأمر يفوق امكانيات الجيش الأمريكي أو السوفيتي، كان الوضع يحتاج إلي رؤية مختلفة، البعض انتقد الخطة، المساحات المكشوفة ستسمح لقواته بالنزول، قال.. ينزل.. سيصطدم بوحدات أقوي ولن يستطيع تدميرها واستغلال ما كان يفعله في ضجيج إعلامي، يتحدث بسرعة واثقة، في عمق الليل عند مناطق التماس يتقارب البشر أسرع، الآن، في غرفة أخصصها للعمل، تعمل مدفأة بالزيت من النوع القديم، عند درجة حرارة معينة يبدأ بثها للدفء، نظام تلقائي في المبني المرتفع نسبيا، يتبع الجامعة ويستضاف به الشخصيات التي تعتبرها إدارة الجامعة مهمة، أقيم باعتباري أستاذا زائرا حتي بداية ديسمبر، محاضرة واحدة عن تجربتي خلال ما يقارب النصف قرن إذا ما أخذنا في الاعتبار بداية النشر أو بتجاوزه اذا اتخذنا من الشروع في الكتابة، رحلة طويلة لم أشعر بها مجسدة إلا منذ بدأت الإعداد لهذه المحاظرات بحيث تشمل الظروف أيضا، ثقافية وسياسية في اطار التاريخ، الآن مساء السبت، التاسعة، الخامسة فجر القاهرة لا أغير توقيت ساعتي أبدا، الوقت موزع ما بين البيت والجامعة التي تتوزع كلياتها أمامي مباشرة، المنطقة اسمها هايد بارك، آمنة إلي حد كبير، تتماس مع منطقتين، الأولي في الشمال، الثانية في الجنوب، كلاهما مصدر خطر، السكان زنوج فقراء والتفاصيل هنا تطول، درجة الحرارة سبعة تحت الصفر، المستشفي قريب أيضا، عشر دقائق سيرا علي الأقدام، تصحبني ماجدة خطوة، خطوة، نمضي وقتا طويلا في قاعات الانتظار، أتأمل الوجوه والملامح، المبني كله يحمل عنوانا مخيفا »مركز الطب المتقدم لعلاج السرطان«، الطبيبة شخصية مهمة، في طليعة المتخصصين بأمراض الدم، بعد ان أطلعت علي التحاليل التي حملتها من القاهرة وتفحصتها أبدت الثناء والاعجاب بتحليل المعمل، الدكتورة ألفت المتناوي مساعدها الدكتور ياسر قام بسحب العينة، كذلك الطبيب المعالج الدكتور حسام كامل، قالت ومساعدوها حولها ان ما تم في القاهرة عمل دقيق، تبادلت مع ماجدة النظر، خلال أوقات الانتظار الطويلة، الآن والبرد ينذر بعاصفة ستعم الغرب الأوسط كله حضور شدوان قوي ولذلك أسباب، لا أستطيع ايراد كل التفاصيل، أتفحص ما بقي مما شاهدته وعاينته، لا أصف إلا ما يبدو عبر ذاكرتي، لا أستعين بمرجع وليس عندي مدونات إلا ما كتبته في الأخبار لكن هذا ليس في متناولي، فقط ما يدور عندي، أستعيد جلسة سعد الشاذلي، بعض مما قاله لي: طوال عمري في خدمة التشكيلات، لم أعرف المكاتب، بل لا أعرف البيع والشراء، أمشي أحيانا في شارع متسع، مزدحم، سليمان باشا مثلا، لا أتقن البيع والشراء، سألته عن أصعب المهام التي واجهته، ضحكته حادة، قصيرة، مازلت أسمعها، قال: بعد يونيو صدر قرار بدمج الصاعقة والمظلات معا فيما عُرف بالقوات الخاصة، ربما يكون هذا أصعب وأعقد ما واجهته، وراح يقص الأسباب، وكنت أتطلع إلي غطاء الرأس، البيريه، القرمزي.
الساعة الواحدة بعد منتصف الليل،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.