بعد تتبع بزوغ التطور التاريخي لمفهوم المسئولية الدستورية السياسية لدي المملكة المتحدة البريطانية نأتي لنتعرف علي بزوغ تقليد تاريخي آخر الا وهو التقليد الدستوري والسياسي الفرنسي. لم تقم إلي جانب ملك فرنسا في يوم من الأيام هيئة وزارية كالتي تكونت تدريجياً في إنجلترا. وفي العهد السابق لقيام الثورة الفرنسية ولم تكن هناك وزارة، فالوزراء كانوا يقومون علي شئون الملك الخاصة، وهم من أصحاب المنزلة الرفيعة، يختارون عادة من بين أعضاء اللجان الملكية. وفي مرحلة لاحقة أصبح الوزراء يقومون بدور مزدوج فمن جانب يديرون المصالح الخاصة للملك ومن جانب آخر يتولون مهمة إدارة المصالح العامة. يمكن القول إن معالم الوزارة بدأت توضح وتبرز إلي الوجود مع قيام دستور عام 1814 الذي جاء لتقييد دكتاتورية سلطات الجمعية الوطنية، ومن بين وسائل التقييد برز مفهوم دور الوزارة و العمل علي تقويته، ولم يكن للوزارة في هذا العهد رئيس، بل كانت هيئة مكونة من خمسة أعضاء، تتجدد جزئياً بواسطة انتخاب عضو جديد كل سنة. ويرأس هذه الهيئة أحد الوزراء كل ثلاثة أشهر، ولم يكن الوزراء المسئولين أمام البرلمان عن أعمالهم السياسية أو عن سياسة الوزارة التي يديرونها. يمكن القول أن دستور عام 1814 كان قد وضع البذرة الأولي للمسئولية الجنائية للوزراء. إذ منحت الماده 47 من الدستور المذكور لمجلس النواب حق اتهام الوزراء جنائياً علي أن تجري محاكمتهم أمام مجلس النبلاء. وكان دستور 14 نوفمبر 1852 أول دستور يمنح مجلس النواب حق مساءلة الوزراء سياسياً. فكان لهذا المجلس الحق في استجواب الوزراء أو سحب الثقة منهم إذا ثبت تقصيرهم في إدارة وزاراتهم. أما دستور 21 مايو 1870 فقد جعل الوزراء مسئولين سياسياً أمام المجلسين، فإذا نزعت عنهم الثقة توجب عليهم الاستقالة. وسار بذات الاتجاه دستور عام 1875 الذي منح المجلسين، النواب- الشيوخ، حق مراقبة الوزارة سياسياً، وهذا الاتجاه مخالف للأعراف البرلمانية التي تقتصر حق سحب الثقة علي المجلسين مجلس النواب دون المجلس الأعلي الشيوخ- الأعيان. وحصل أن مارس مجلس الشيوخ في ظل دستور عام 1875 اختصاصه السياسي حيث سحب الثقة من وزارة ليون برجو واجبرها علي الاستقالة. ولا بد من الإشارة إلي أن قواعد المسئولية السياسية ظهرت في فرنسا متأثره بالتقاليد الثقافية البرلمانية الانجليزية، حتي وصل العرف دستوري الفرنسي في ظل الملكية الي مبدأ مفاده ضرورة توقيع الوزراء إلي جانب الملك عندما يمارس الملك سلطاته الإجرائية. اما بالنسبة لمصر فقد ترتبط نشأة الوزارة في مصر الحديثة بالجهاز البيروقراطي الذي أسسه محمد علي باشا في مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر وأطلق علي الوزارة في تلك الحقبة الزمنية تسمية (الدواوين). وبعد عام 1878 تغير اسم الدواوين إلي النظار التي كانت تتكون من سبع نظارات. وبعد عام 1914 ظهر اسم الوزارة في مصر لأول مرة لتحل محل النظار. ويعود تاريخ ظهور المسئولية السياسية للوزارة في مصر إلي عام 1878 حيث أصدر الخديو إسماعيل في هذا العام مرسوماً بتأليف لجنة عرفت بلجنة التحقيق العليا للتحقيق في العجز الحاصل في أبواب الإيرادات وأسبابه ولتقترح ما تراه من وسائل الاصلاح لها. ووضعت اللجنة تقريرها، وكان من بين ما أقرته أن يحدث الخديو تغييراً في نظام الحكم، وينزل عن سلطاته المطلقة إخلاء للمسؤولية في المستقبل عن العجز المالي الذي قد يصيب الميزانية. وقبل اسماعيل هذا الاقتراح وأصدر أمراً إلي نوبار باشا في 28 اغسطس سنة 1878 بإنشاء مجلس النظار وتخويله مسئولية الحكم. ولكن هذه الوزارة كانت مسئولة سياسياً أمام الخديو وليس أمام مجلس شوري النواب. في عام 1882 صدر أول دستور برلماني ملكي في مصر حيث تم اقرار المسئولية التضامنية للوزارة أمام مجلس النواب فضلاً عن المسئولية الفردية لكل نظار، او في قول اخر وزير، بالنسبة للامور المتعلقة بوزارته. وهكذا يمكن القول أن المسؤولية الوزارية بمفهومها البرلماني ظهرت في مصر للمرة الأولي عام 1882 وقبل هذا التاريخ كانت المسئولية الوزارية مجرد وسيلة لحماية المصالح الأجنبية من خلال إبعاد المسؤولية عن ممثليها في الحكم عند حصول تقصير أو اخلال في جانب معين من جوانب الحكم. المهم انه قد انتهي الرأي الغالب في الفقه المصري متأثرا بالرأي الغالب في الفقه الفرنسي حاليا الي وجود اختلافات جوهرية بين مفهوم المسئولية الجنائية ومفهوم المسئولية السياسية للوزراء، ويستمر التحليل.