سارعنا بالتنديد بما قاله الشيخ القرضاوي عن السيدات الفاضلات اللاتي ترشحن كمستقلات، أو منتسبات لأحزاب سياسية شرعية في الانتخابات التشريعية الحالية. فقد قال فيهن أوصافاً غير لائقة، ولا مقبولة. واعتبر البعض أن سرعة ردود العديد من المسئولين والمفكرين والكتاب علي تجاوزات القرضاوي يعتبر كافياً. ويري البعض الآخر أن هذه الردود كلها، وغيرها، سيمر عليها »المتشددون« وكأنهم لم يسمعوها، ولم يقرأوها. فليس لدي هؤلاء أدني نية كما كتبت أمس لتغيير موقفهم المعادي لحقوق وحريات المرأة المصرية. من بينهم أناس لا هم لهم غير تحجيم دورها، وتقليص إسهامها في خدمة ورفعة وطننا، وتقزيم أي عمل ناجح برعت فيه وتميزت به: علماً، وثقافة، و جهداً. يحدث هذا علناً بالصوت والصورة علي »الفضائيات«، رغم التعديلات الدستورية الأخيرة التي تمنع هذا التمييز ضد النساء المصريات. في مقاله المهم المنشور في مجلة »روزاليوسف« كتب الدكتور محمد كمال أستاذ العلوم السياسية يشير إلي المادة (5) من التعديلات الدستورية، التي تنص علي حظر مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية، علي أساس ديني أو مرجعية دينية. كما منع قانون الانتخابات استخدام الدين أو دور العبادة في الدعاية الانتخابية. وقبل تنبيه كاتب المقال إلي أن هذه التعديلات كلها وغيرها مجرد كلام علي الورق. فالجماعة التي يحظرها القانون، والدستور »الإخوان المسلمون« ملء السمع والبصر، وتمارس كل »المحظورات« و»الممنوعات«.. ولسان حالها ممتد في وجوهنا جميعاً! أقول: قبل أن أنبه د. محمد كمال إلي هذه الحقيقة، وجدته أسرع منّي في الاعتراف بها قائلاً: [بالرغم من أهمية هذه التعديلات الدستورية إلاّ أنها لم تمنع ظاهرة استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية. بل تم أحياناً تفسير هذه النصوص بشكل أفقدها مغزاها]. ولا يكتفي د. محمد كمال بإقرار هذا الواقع الغريب، وإنما نراه يقترح حلاً يطالب فيه باجتهادات قانونية وفكرية إضافية لتنظيم العلاقة بين الدين والدولة في مصر. وبتوضيح أكثر، يضيف أستاذ العلوم السياسية قائلاً:[نحتاج إطاراً قانونياً أكثر تفصيلاً يقوم بتفعيل نص المادة الخامسة التي تحظر مباشرة أي نشاط سياسي وليس فقط النشاط الانتخابي علي أية مرجعية دينية، ووضع آلية واضحة لمتابعة الالتزام بذلك، و نظام واضح للعقوبات في حالة مخالفتها، ودعوة جميع القوي السياسية إلي الالتزام بالدولة المدنية، وتطوير أفكارها وممارستها بما يعكس الإيمان الحقيقي بهذه المباديء]. ومن معصية خلط السياسة بالدين، والدين بالسياسة، ينتقل د. كمال ليطالب بجهد أكبر [لتغيير ثقافة التمييز ضد المرأة بما في ذلك داخل مؤسسات الدولة، وتبني المزيد من المبادرات التشريعية التي تستكمل منظومة ضمان حقوق المواطنة للمرأة، كما نحتاج لسياسات وتشريعات تستهدف القضاء علي التمييز استناداً للدين، بما في ذلك قواعد جديدة لبناء دور العبادة، وجهد ثقافي وإعلامي وتعليمي ضخم لاجتثاث جذور ثقافة التمييز والكراهية]. هناك أهمية واضحة في هذا المقال. فصاحبه ليس فقط أستاذ علوم سياسية، وإنما هو أيضاً عضو أمانة السياسات، وأمين التثقيف والتدريب في الحزب الوطني الحاكم. وأتصوّر أن الكاتب بحكم موقعه الحزبي والسياسي سبق أن طرح هذه الاقتراحات، والمطالبات، والاجتهادات التي حددها في مقاله المنشور في العدد الأخير من مجلة »روزاليوسف« علي اجتماعات أمانة السياسات بالحزب، وأتصوّر بالتالي أنها لقيت ترحيباً من معظم أعضاء الأمانة ، وهو ما يطمئننا علي أن هذه الاقتراحات كلها وغيرها وجدت أو ستجد طريقها إلي الحكومة لتسارع بدراستها تمهيداً للتقدم بمشروع قوانينها إلي مجلس الشعب القادم للنظر فيها وتمريرها في أقرب وقت مستطاع. من هنا يمكننا رصد أهمية كبيرة ومختلفة للمقال المنشور، ليس فقط للاقتراحات الضرورية والبناءة التي حددها الدكتور محمد كمال التي سبق لكثير من الكتاب الصحفيين والسياسيين طرح بعضها علي الرأي العام وإنما أيضاً لأن الكاتب هنا ليس مستقلاً في توجهاته، ولا طارحاً لأفكار سبق لقيادات حزبه رفضها، وإنما المتوقع كما أظن أنه يتحدث باسم أمانة السياسات، وهيئة مكتب الحزب، والحكومة التي ستحال إليها الاقتراحات للتنفيذ.