إهانة لكل السياسيات المصريات يدرك التنظيم السري للإخوان، أنه يخالف الأيديولوجية التي ربي عليها كوادره حين يدعوهم إلي تأييد ترشيح عدد من السيدات في انتخابات مجلس الشعب، إذ كما يعلم الجميع فإن جماعة الإخوان كيان ذكوري، يرفض أي دور للمرأة داخله وفي المجتمع، كما يرفض أيضًا قبول أي دور للأقباط.. أما وأن الأمر هكذا فإنه واجه معضلة تتعلق بإقناع الكوادر أولاً بعبور هذا التناقض، وثانيًا لدفع الأعضاء إلي تأييد المرشحات الإخوانيات.. وقد تعامل مع هذا الموقف باللجوء إلي الفتوي.. وفي مختلف المواقع الإخوانية يمكن أن تجد مجموعة من إجابات الشيخ يوسف القرضاوي صدرت يوم 13 نوفمبر الحالي يبرر فيها للإخوان لماذا يجب تأييد ترشيح النساء. لسنا من جانبنا في حاجة إلي هذه الفتوي كي نؤيد مشاركة النساء في العمل العام، نحن وأغلبية المجتمع نؤمن بالمساواة بين جميع البشر.. بغض النظر عن الدين والنوع والمكانة.. ولكن الإجابة الفتوي التي دونها القرضاوي تمثل في حد ذاتها إهانة عميقة للمرأة.. من حيث أرادت أن تعبر عن مساندتها لهذه المرأة.. وهي بدورها تعبر عن انتقاص حقيقي لوضع النساء في المجتمع.. وتحقير لهم في مواجهة الرجل.. لدي جماعة الإخوان.. ما يجعل المرأة التي تستخدم في تلك الانتخابات مجرد أداة توظف لتحقيق غرض.. وليس من أجل أن هناك قناعة بدورها ووجوب تمكينها كما يقول بذلك كل مؤيدي الدولة المدنية العصرية. لقد صيغ السؤال الذي أجاب عنه القرضاوي بالطريقة التالية: (هل الحاجة تقتضي من المسلمات الملتزمات أن يدخلن معركة الانتخاب في مواجهة المتحللات العلمانيات؟).. وهي صياغة تعني ببساطة أن المجتمع وفق تعريف الإخوان تنقسم نساؤه المرشحات في الانتخابات بين نوعين: (مسلمات ملتزمات) و(متحللات علمانيات).. وأما المتحللة فهي كلمة يمكن فهم معناها بما تتضمنه من إهانة مسيئة لكل مرشحة لا تنتمي للإخوان.. وأما العلمانية فهي كلمة تشير إلي مؤيدي الدولة المدنية، ولكن الإخوان، ومن في سياقهم، يشيرون بها إلي ما يصل إلي حد الكفر. وقد كان يمكن للقرضاوي، الذي بلغ من العمر أرذله، أن يرفض صياغة السؤال، ويعيد تشكيله ويجيب بما يشاء، لكنه ليس فقط قبل السؤال المهين.. وإنما كذلك مضي بدوره إلي أن يقول في إجابته ذات الوصف الذي جعل من كل مرشحة خارج المنتميات للإخوان هي (متحللة وعلمانية).. إذ قال ضمن ما قال: (إن الحاجة تقتضي من المسلمات الملتزمات أن يدخلن معركة الانتخابات في مواجهة المتحللات والعلمانيات اللائي يزعمن قيادة العمل النسائي). وإذا كنت أربأ بنساء مصر، اللائي ترشحن للانتخابات، أو يتصدين للعمل العام، أن يوجه إليهن هذا الوصف المهين وذلك الشتم المؤسف، وفيهن الأخت والابنة والأم والزوجة والقريبة والجارة، وفيهن الفلاحة والمربية والموظفة والوزيرة والمدرسة وربة البيت وغيرهن، إذا كنت أربأ بهن عن هذا فإني أعتقد أن علي مختلف الحريصين علي هذا البلد أن يهبوا للدفاع عن نسائه من ذلك التحقير.. وهذه العنصرية التي يتعامل بها مفتي الإخوان وتنظيمه السري الذي يتبني العنف.. مع نصف المجتمع.. خصوصًا إذا كان مجرد بشر ليس عليه أن يقرر من هي المسلمة الملتزمة.. وليس لديه دراية بما لدي الله عنهن وعن نواياهن. أولئك النساء اللواتي ينتمين لجماعة الإخوان وترشحن عنها في بضع دوائر ليس زيهن وملبسهن وطريقتهن في التعامل مع الناخبين دليلاً أكيدًا علي إخلاص النوايا.. الله أعلم بعباده.. ولا يحاسب البشر بناء علي ما يظهرونه.. وإنما علي ما يخفونه.. وما هو مكنون في الصدور. ومن المذهل أن الإجابة الفتوي لم تقف عند هذا الحد بل إنها تتضمن كثيرًا من السخافات التي ينبغي أن تناقش بتوسع أكبر.. إذ إنها حوت جوانب تعاملت حتي مع المرأة التي توصف بأنها (مسلمة ملتزمة) بمنطق اعتبارها ناقصة.. وحتي وهو (القرضاوي) يعطيها المبرر الديني كي تشارك في الانتخاب.. فإنه أعطاها تحذيرًا بألا تعتقد أن هذا سوف يمنحها كل الحقوق.. وفي ذلك أتوقف فقط أمام النقطة التالية التي وردت علي لسان القرضاوي، التي لا يعني تعرضي لها أنه لا يوجد غيرها في فتواه الشائنة. بعد أن قدم القرضاوي ما يفيد بإقناع الإخوانية بأن تترشح في الانتخابات.. فإنه سأل نفسه: (ولكن ولاية المرأة علي الرجل ممنوعة والرجال قوامون علي النساء فكيف يجوز للمرأة الترشح في المجالس النيابية؟).. وقد أجاب عن نفسه بما أساء للنساء حيث إن تلك الفتوي مجرد تبرير لتصرف تكتيكي.. إذ قال: (عدد النساء اللاتي يترشحن للمجالس النيابية محدود، وستظل الأكثرية الساحقة للرجال وهذه الأكثرية هي التي تملك القرار وهي التي تحل وتعقد، فلا مجال للقول إن ترشح المرأة للمجلس سوف يجعل الولاية للمرأة علي الرجل)!! وأضاف: (وقوامة الرجل هي في البيت علي الزوجة، وولاية بعض النساء علي بعض الرجال لم يرد ما يمنعها ولكن الممنوع هو الولاية العامة للنساء علي الرجال). والمعني المفهوم من هذا الكلام هو أن القرضاوي، ومعه جماعة الإخوان، يرون أن عملية الترشح لبعض النساء مجرد تمثيلية.. فهي لن يكون بمقدورها في ضوء قلة العدد المتخيل أن تدير أمرًا أو تصدر قرارًا.. هي موجودة لكن القرار للرجل.. ناهيك عن شرحه لولاية المرأة باعتبارها يجب أن تظل منقوصة.. ولا تمتد إلي أن تكون ولاية عامة. وينطوي هذا الكلام علي حماقة حقيقية في فهم معاني ووظيفة الديمقراطية.. التي تعتبر وجود كل صاحب صوت مؤثرًا في القرار ولو عارضه.. وأن القرار هو نتاج تصويت.. وأنه يمكن ترشيح النساء من خلال مواقعهن في البرلمان للقيام بأعمال يتبوأن فيها مواقع الصدارة واتخاذ القرار دون الرجوع إلي مرجعية الرجال.. فضلاً عن أن كل صاحب صوت في العملية الديمقراطية هو جزء من عملية متكاملة لا تنطوي علي تحديد ماهية صوته بناء علي كونه رجلاً أو امرأة.. مسيحيًا أو مسلمًا. إن هذا الانتقاص والتحقير للمرأة كما ورد في تلك الإجابة الفتوي، بكل ما فيه من سوابق مسيئة للمرأة، إنما يعبر عن حقيقة القناعات التي تتبناها جماعة الإخوان ومفتيها من المرأة، بخلاف مواقف أخري تنطوي علي نفس العنصرية والتنقيص من فئات المجتمع في اتجاهات أخري من اهتمامات المجتمع.. وهذا كلام يجب ألا يسكت عنه أي وطني مخلص.. أو أي وطنية تتصدي للقيام بعمل عام.. فتجد شيخًا غريبًا يصفها بأنها (متحللة) أو (علمانية). www.abkamal.net [email protected]