قبل شيوع التليفزيون في الدول العربية كانت المجلات الاسبوعية هي التليفزيون. كانت المجلات المصورة تلقي رواجاً كبيراً يصل في بعض الاحيان الي بيعها في السوق السوداء. وأتذكر ان مجلتي "اخر ساعة" و"المصور" كانتا تباعان في العراق خلال الاسابيع التي تلت ثورة يوليو في العراق بعشرين ضعف ثمنهما المثبتين علي الغلاف لانهما كانتا تنشران صور رجال العهد السابق ومحاكماتهم علي أيدي رجال العهد الجديد. عالمياً كانت مجلة "لايف" الامريكية الاسبوعية هي الملكة التي تلتف حولها الوصيفات والمعجبات. وظهرت منها نسخة امريكية أخري اسمها "لوك" مالبثت ان توقفت، ونسخة فرنسية "باري ماتش"، والمانية "شتيرن"، وايطالية "تيمبو", واسبانية "أي بي سي" وقد صدرت كلها بنفس حجم مجلة "لايف". وكلها مازالت تصدر رغم التليفزيون والفضائيات والمحمول. الا ان مجلة "لايف" توقفت عن الصدور في عام 1972 بسبب الخسائر الهائلة التي لحقت بها مع انها كانت تبيع أكثر من خمسة ملايين نسخة اسبوعياً حول العالم. لقد صدر العدد الأخير من "لايف" في 29 ديسمبر 1972 باختتامية وداعية علي صفحتها الأخيرة كتبها مدير تحريرها رالف كرافيس قال فيها: "ان آخر صفحة من آخر عدد من مجلة لايف مخصصة الي الناس الذين سيفتقدون هذه المجلة كثيراً, الي العديد من القراء الذين عبروا عن شعورهم بالخسارة والي الناس الذين يعملون في المجلة والذين استمتعوا كثيراً بالعمل فيها واستمتعوا بالعمل مع بعضهم البعض. سوف نفتقد هذه التجربة, ولكننا سنتذكرها بفخر وحب. وكان رد فعل القراء علي اغلاق المجلة كريماً, لكن أكثر رسالة أثرت في هيئة تحرير المجلة كانت من طفلة تعيش في نيويورك عمرها 11 سنة قالت فيها: أحببت هذه المجلة لمدة سنتين, وكانت مجلتي المفضلة, وفيها موضوعات تثير اعجاب جميع افراد العائلة, وانا أعد الآن كتاباً عن مجموعة قصاصات من هذه المجلة هي المقالات المفضلة التي قرأتها فيها لكي يعرف أولادي المزيد عن طفولتي". وأضاف مدير المجلة يقول في "اختتامية" حزينة: "أنا آسف لايمكن ان نستمر. لقد حاولنا ان نتواصل معكم عبر الحواجز باعتباركم ايها القراء أشخاصاً تشتركون معنا في التجارب الانسانية. ولازلت أؤمن ان هذا الكلام مهم لبلدنا. وأنا آسف مرة أخري لان مجلة "لايف" لم يعد باستطاعتها ان تساهم في هذا". وكان عدد "لايف" الاول قد صدر في 23 نوفمبر 1936 وحمل شعاراً يقول: "النسخة الاولي من مجلة ليست هي المجلة.. انها البداية". وقد لا يعلم القراء ان مجلة "لايف" لم تكن مجلة للصور فقط. ذلك انها نشرت في عددها الصادر في أول سبتمبر 1952 لاول مرة رواية "الشيخ والبحر" لأشهر كاتب أمريكي علي الاطلاق هو ارنست همنجواي, وباعت من ذلك العدد في ذلك التاريخ البعيد خمسة ملايين نسخة خلال يومين فقط! وتم منح الكاتب جائزة "بوليتزر" أرفع جائزة صحفية امريكية ثم جائزة نوبل عن تلك الرواية التي حولتها هوليوود الي تحفة سينمائية قام ببطولتها النجم الراحل سبنسر تريسي. ومناسبة استذكار مجلة "لايف" صدور مجموعة صور كلاسيكية مؤخراً في كتاب يحمل عنوان "مجموعة لايف الكلاسيكية" عن عجائب العالم. ويضم الكتاب - الالبوم صوراً فريدة سبق ان نشرتها مجلة "لايف" عن عجائب العالم القديمة السبع, وصوراً عن عجائب العالم الحديثة السبع, وصوراً عن سبعة عجائب أخري منافسة, بالاضافة الي عجائب اليوم في كل القارات وعجائب الطبيعة. وقدم الكتاب مع كل نسخة سبع لوحات منفصلة جاهزة للتأطير عن مناظر طبيعية مدهشة بينها أهرام الجيزة. وقد اعتادت دار نشر مجلة "تايم" التي تمتلك أصول مجلة "لايف" ان تصدر صور المجلة المتوقفة في سلسلة كتب أنيقة في عمل متقن لتخليد مجلة عاشت حتي بعد ان ماتت. أليس مدهشاً ان تباع صور مجلة "لايف" في مزادات عالمية بين فترة وأخري؟ يكفي ان أقول لكم ان أفضل الصور القديمة عن الدول والعواصم العربية موجودة ضمن أرشيف هذه المجلة, وحسناً فعلوا حين وضعوا كل تلك الكنوز، وهي بالملايين، علي "الانترنت" لتري أجيال اليوم والغد كيف كان يعيش الاجداد. لدي سؤال: لماذا لا تقوم مؤسساتنا الصحفية العربية الكبري باصدار البومات بصور المدن القديمة والاحداث والمناسبات ونجوم الماضي في الفن والثقافة والرياضة كما فعل الامريكيون بصور مجلة "لايف"؟ ضعوا التاريخ بين أيدي الاجيال الجديدة. كاتب المقال: كاتب عراقي