مها عبدالفتاح هكذا الخروج المعظم لم يشهده تاريخ الإنسانية من قبل! أول يوليو : مع أول شعاع شمس بنصبح علي أم الدنيا، وبنقول لها وحشتينا. وحشتينا قوي بعد الغياب عنا تعود اللقيا.. بإذن الله ستعود لنا مصر من تاني علي هذا الشعب الجدع.. الجموع خرجت بنحو وحجم لم يعرفه حدث من قبل لا في مصر فقط، بل في تاريخ الانسانية! شهدت بهذا اذاعة بي بي سي البريطانية! هذا الشعب العجيب ما زال يدهش ويفاجيء من حيث لا نحتسب أو نقدر.. تمرد هذه حركة من الجذور لا توصف بغير أنها عبقرية شبابية، ونبتة نقية من أرض هذا الوطن، وحركت فيضانا كما لو كان محبوسا وانطلق هادرا في طريقه لا يلوي الا علي تحرير البلاد... الشعب بكامله، بفئاته وأطيافه، وبكل أعماره، شبابه وكهوله، نسائه ورجاله، صبية وفتيات، من القاع ومن الخلاصة جنبا بجنب، عائلات بكاملها خرجت معا الي الطريق العام في كل مدن مصر كبيرها وصغيرها وتعلن عن ارادة موحدة. هذه أمور لا تفتعل ولا تشتري ولا تخطئها نفس.. عندما تتنفس الملايين في شهيق نفس واحد! هذا ما يملأ اليوم رئتي كل مصري ومصرية بالثقة وبقوة معنوية هائلة دونها ترسانة سلاح بأنواعها.. فما الحاجة الي سلاح وقد أعلناها سلمية؟ كل فرد من هذا الشعب من الآن فصاعدا سيشعر بأنه شارك في الحفاظ علي كينونة هذا الوطن هل وصلتكم الرسالة يا دكتور مرسي؟! الهدوء يبدو مؤقتا أكاد أحس بوقع ما يسبق العاصفة . سحبا تتجمع علي الجانب المتشبث بالسلطة، والأمور تبدو كأنما تمشي علي حبل مشدود... الفرصة ما تزال مواتية: راجعوا أنفسكم يا من بيدكم أن تحقنوا الدماء.. كنتم علي ثقة من أنفسكم فتعودوا الي الشعب في انتخابات جديدة.. انما يبدون كما لو أنهم لا يرون ولا يسمعون هدير شعب خرج يعبر عن ارادته بين كل ربوع مصر.. اكتب يا تاريخ وسجل! الاحساس باقتراب بالخطر يلوح طالما أرادوها معركة فاصلة، ولا نريدها الفاصلة بل مشاركة وثراء سياسي لا استحواذ من احد ولا اقصاء لأحد الا لو خضنا معه لاقدر الله بحور الدم... أبعد كل ما شهدتموه بالأمس، هل من يزال يتشبث بالسلطة ولو أهدر في سبيلها دماء مصرية ؟ هل أنتم أيا من كنتم بقادرين علي أن تحكموا شعبا رأيتم ما رأيتموه منه البارحة؟ كل هذا الرفض من كل تلك الجموع و ما زلتم تصرون ؟ أي حكم هذا يكون ؟ مشاهد الامس تلك لا تفتعل، ولا تشتري ولا هي تمثيل من اخراج فنان، بل هي ايضا من نفحة ربانية وهبت علي مصر التي لن تضام طالما عين الرعاية طالتها! لماذا نحن وسطيون ؟ ما زلت اشعر رغم فيض الثقة بتوجس يتسلل، التوجس يزداد، لا نريدها حربا عشواء تنحر في سبيلها أقوام منا وعلينا... نحن المواطنين الوسطيين من مسلمين ومسيحيين، المتفتحين علي الدنيا ونعيش العصر ، نتطلع لحياة أفضل للأجيال قوامها ديموقراطية حقيقية . ولكنا كلما نظرنا لما يجري حولنا نجفل .. أهذا طريق يؤدي الي ديموقراطية أم الي استبدادية دينية فاشية، تعود بهذا البلد الامين الي عصور ولت ومضت .. أما ذلك التعصب الوحشي الذي يتبدي تباعا وظهر علي مشهد من الدنيا، ولحظات الصدق تلك التي ينفلت منها الزمام وينزلق اللسان ، انما تدفعنا دفعا الي تحسب العواقب ، وما سيعود علي البلاد من هذا المنزلق، والي أين المصير و كيف يحسم هذا المسار ؟! بوعي أو عن غير وعي منهم ، فلو استمروا لدفعوا بهذا الوطن الي طريق اقرب الي درب ما سارت عليه اخشي ما نخشاه ان تؤدي بنا الامور الي خوض تجربة شبيهة بما حدث في الجزائر من صدام عام 1991 لا قدر الله ولا سمح ، دولا مثل الصومال أو سوريا أو اليمن .. هذا هو المآل ولو سارت الاحوال علي ذلك المنوال ... المصري بتكوينه يهفو للايمان، بالحس المفطور يلوذ بالخالق، فهو من سبق البشر أجمعين في التوحيد، لذا الايمان عنده ركن ركين لا يختلف في ذلك مسلم أو مسيحي.. تأثير العنصر الواحد، والموقع والطبيعة والبيئة لذا هو وسطي رافض الشطط والتطرف.. طبع ومزاج هكذا هو في شئون حياته علي مر العصور، يرفض المغالاة و يسيء الظن بالمتعصبين ، ولا يقبل من يجور علي ما لا شأن له به ، خاصة والعلاقة مع الخالق، هذه فطرة من نبت هذه الارض، ومن مدرسة الفكر : دعوا الخلق للخالق ! لهذا كان من الحقوق الاساسية لهذا الشعب الوسطي السمح المنفتح بمسلميه ومسيحييه، أن يبقي دوما علي معالمه كائنا من يكون حاكمه، بالأمس أو اليوم وغدا وبعد الغد.. شعب هرم مع الدهر وأدرك أن الحكام كلهم زائلون والشعب المتجدد هو الباقي والي ما يشاء الله ... ذاكرة علي أطراف الأنامل: أعود الي سطور سجلتها ونشرت قبيل اجراء انتخابات أول رئيس مدني... وتبدأ من تلك المرحلة المبكرة بعد اعلان ترشح دكتور محمد مرسي للرئاسة : ((من سخرية القدر أن نستمد معلوماتنا المطلوبة عن د. محمد مرسي الذي لا يعرف الرأي العام عنه شيئا من مصادر كلها أمريكية: مراكز فكر و أبحاث وأحاديث مباشرة جمعت تفاصيل ومعلومات كلها تتفق علي أن أنه د. محمد مرسي هذا لا يجب أن يستهان به فهو من أكبرالعناصر المتشددة داخل جماعة الاخوان .. وحسب توصيفه بالنص نقلا عن أحد شباب الاخوان : عبد المنعم محمود المفصول من الجماعة يقول عنه انه رمز للمتطرفين ومن اكثر الغيورين علي منهج الانصياع والالتزام داخل الجماعة حتي ولو التضحية بأي شخص في سبيل الانضباط والتنظيم.. فهو اول الداعين دوما لاستبعاد المخالفين للرأي، ومعروف انه الذي قاد حملة الاطاحة بمحمد حبيب نائب المرشد السابق ود. عبد المنعم أبو الفتوح من مكتب الارشاد. وهو المنوط به دور همزة الوصل الرئيسية بين جماعة الاخوان وجهاز امن الدولة علي عهد نظام الحكم السابق، مندوبا مفاوضا ومنسقا مع امن الدولة بين يديه وضعت الجماعة حرصها علي البقاء والسلامة" حصيلة تجربة العمر)). سجلت الآتي قبيل اجراء انتخابات الرئاسة ((هل سنؤديها وفق أصول الديموقراطية ؟ البوادر لما نشهده لا تدل علي ذلك والتيار الاسلامي اعلنها واضحة : عدم الفوز معناه التزوير! واضح : تيارات الاسلام السياسي استهدافها السيطرة علي سلطة البلاد، واشد ما يدعو للقلق تلك المظاهر المبتكرة من استعراضات القوة، من حشر للبشر وكردونات بشرية تبدي بنحو أقرب للبدائية.)) ثم الآتي: (( كائنا من سيكون الرئيس القادم فان علينا جميعا ان نتقبله ونرضي - هم ونحن - ايا من تكون طالما جاء به صندوق الانتخاب، لنرضي كما سبق وارتضينا ولو علي مضض بنتيجة انتخابات مجلس الشعب .. وعلي التيار الاسلامي ان يتقبل هو أيضا رئيسا ليبراليا اذا ما فاز في الانتخابات، فلا يسارعوا باتهام الانتخابات بالتزوير لو خسر مرشحهم الانتخابات))! تمر بضعة أيام ثم هذه الفقرة: ((الآن .ماذا بعد انتخابات حرة وأول رئيس مدني منتخب؟ هل من تغيير متوقع في نظام الحكم ؟ كلا ! لا يبدو من تغيير حقيقي لا في المنهج الاقتصادي ولا غيره والنظام الجديد ملتزم بلون الرأسمالية المتوحشة التي تعرف بحرية الأسواق ، ولا نوايا للخروج علي النظام المالي الاقتصادي الذي تقوده الولاياتالمتحدة .. كل الشروط المطلوبة امريكيا مكفولة وتسير في الفلك المنظوم لا تخرج عنه ولا تحيد...)) سطور أخري بعد الانتخابات: ((ثبت ان التغيير، أو الديموقراطية الحقيقية لا تتحقق لمجرد المرور بطريق الانتخابات! لذا لا ينتظر أي تغيير عن قواعد النظام السابق، لأن نظام الحكم الجديد سوف يسير علي ذات الاسس التي اتبعها النظام الذي تم اسقاطه، مع ان أهم أسباب سقوطه هو افتقاد العدالة الاجتماعية! السيدة كلنتون جاءتنا تعزز التحالف الجديد بعدما مر الاخوان من امتحان الشروط الامريكية بنجاح، ووافقوا علي المطلوب بدءا من ضمان أمن اسرائيل الي الحفاظ علي معاهدة السلام .. زيارة السيدة الامريكية تجسيد لمحاولات واشنطون استبقاء نفوذها وتأثيرها علي مجريات الامور في العهد الجديد، غير أننا نعرف جيدا أنها جاءت كذلك لتملي النظر في التدبير والاعداد، الذي تحول الي واقع خرج الي الوجود، لتتأكد تماما من كون هذا الواقع الجديد متوافق و الاجندة الامريكية ولن يحيد...! من كان يصدق أن شخصية رسمية امريكية تجيء فتجد من الشارع المصري مثل هذا الرأي المعبر عن السخط الشديد؟ وبذلك القدر من الغضب البالغ علي السياسة الامريكية ... بالاحذية القديمة و الطماطم المعطوبة و الهتافات العدائية الرافضة؟ الي هذا الحد بلغت الغضبة التي لم يسبق لها مثيل؟ الادهي ان الرفض جاء من فئات كانت تصنف تقليديا بانها الأقرب الي أمريكا والغرب.. فالمصريون لماحون ولا احد يمكنه الادعاء بأنه هؤلاء كانوا مدفوعين أو أن أحدا قد حشدهم أو حرضهم ، بل جاء رد الفعل من جنس التصرفات السياسية الامريكية .. سيكون أفشل سياسات هذه الادارة!)) نعاود الرجوع بذاكرة السطور لنقرأ الآتي: ((التغيير الذي طرأ علي نهج السياسة الامريكية، وجعل الولاياتالمتحدة تبدو أقرب الي تحالف مع جماعة الاخوان في مصر ، أدي لاجتهادات شتي و تساؤلات ما تزال مثارة في دوائر السياسة الغربية والعالمية والاقليمية .. انقسام ملحوظ بين مراكز الفكر السياسي في الغرب حول نتائج هذا التحول الذي تقوده واشنطون .. من يري انها مجازفة أمريكية قد تؤدي الي رد فعل مضاد لأهدافها . ومن يري انه تحول برجماتي من جانب واشنطون ويواكب تغييرات حقيقية طرأت في العالم العربي . كلها جماعات معادية تقليديا للمصالح الامريكية أو هكذا كانت تتبدي من النظرة السطحية للأمور. )) نقلب المزيد من سطور الشهور الماضية: ((وفق تقرير لمركز الدراسات الدولية جونز هوبكنز-الاخوان المسلمون حركة تقوم علي تسييس الاسلام، ومتعارضة مع أسس الحكم الديموقراطي وفق النهج الغربي، وأفرخت حركات اسلامية تتراوح ما بين الاعتدال الي العنف الجهادي..)) نريد لجميع الفصائل والتيارات أن تشارك في الحياة السياسية، لا يستبعد أحد ولا من فصيل يحظر الا بحكم القانون وحده، ولنعش مرحلة ثراء التنوع السياسي شريطة عدم استحواذ أو استبعاد، بل نضع حكما علي أساس سليم وبمشاركة معارضة قوية وتوازن سلطات وتداول حكم!