[ في مدينة »البندقية« الإيطالية كنا نحتسي قهوتنا داخل أحد المقاهي. جلس إلي جانب مائدتنا شخص نادي علي النادل طالباً: »إثنان قهوة من فضلك. واحد منهما علي الحائط«! تصورنا أننا لم نفهم المعني الغريب الذي فهمناه! فالرجل يجلس وحده. فلماذا طلب فنجاني قهوة: أحدهما له، والثاني للمجهول الذي أسماه ب :»علي الحائط«؟! بعد فترة قصيرة عاد النادل ووضع »فنجان قهوة« واحد أمام الزبون، مما أقنعنا بأننا أسأنا فهم ما طلبه. لكن الغريب أنه دفع ثمن فنجانين بدلاً من واحد! والأكثر غرابة أن الجرسون قام بتثبيت ورقة صغيرة علي الحائط كُتب عليها:» فنجان قهوة واحد«! بعد ذلك.. جاء شخصان، وطلبا من »الجرسون« : »من فضلك.. ثلاثة فناجين قهوة. إثنان لنا والفنجان الثالث علي الحائط«! وعاد النادل بفنجانين فقط ! وللمرة الثانية لاحظنا أن أحد الشخصين قام بدفع ثمن ثلاثة فناجين بدلاً من اثنين! فأين الثالث؟! ومن شربه؟! وسارع الجرسون بتثبيت ورقة ثانية علي نفس الحائط تحمل نفس الكلمات! الحكاية غريبة، وغير مفهومة، وتتطلب تفسيراً. وبسؤال »الجرسون« سمعنا منه أغرب ما كان يمكن سماعه! قال لنا: »فعلاً.. الزبون الأول شرب واحد قهوة ودفع ثمن إثنين. والزبونان الآخران شربا فنجانين ودفعا ثمن ثلاثة. وليس في ذلك أي عيب. وإنما هي عادة قديمة، ومعروفة، للكثيرين. فعندما يطلب الزبون فنجان قهوة له، ويطلب فنجاناً ثانياً أو أكثر للحائط، فهذا يعني أنه يتطوع بدفع ثمن »القهوة« لزبون قد لا يجد ثمنها في جيبه! وأثناء ذهولنا مما نسمعه.. دخل أحدهم رث الثياب ويبدو عليه الفقر، وجلس أمام مائدة ونادي علي النادل وقال له بصوت طبيعي ومسموع ممن يجلسون بالقرب منه: »واحد قهوة من علي الحائط«! ورد النادل: »حالاً يا سيدي«! وصلت »القهوة« المجانية بعد لحظات، وسارع »الزبون« بشربها، ثم قام مغادراً المقهي مكتفياً بإيماءة من رأسه محيياً الجرسون، الذي رأيناه يتوجه إلي الحائط وينزع من عليه واحدة من الأوراق المعلقة ويرميها في سلة المهملات! وبالطبع.. تأثرنا جميعاً لهذا التصرف الرائع من سكان هذه المدينة، والذي يعكس إحدي روائع التعاون الإنساني. فما أجمل أن نجد من يفكر بأن هناك أناساً لا يملكون ثمن الطعام والشراب. رأينا النادل يقوم بدور الوسيط بينهما بسعادة بالغة وبوجه باسم رغم أن صاحبه لا ينتظر »بقشيشا«! ورأينا المحتاج يدخل إلي المقهي ويلقي نظرة خاطفة علي الحائط ليتعرف من الأوراق المثبتة عليه أن لديه فرصة لتناول القهوة مجاناً، دون سابق معرفة بأحد من المتبرعين بثمنها. وعلمنا أن لهذا المقهي مكانة خاصة في قلوب سكان مدينة »البندقية« »فينيسيا« الإيطالية]. القصة الغريبة، والمذهلة، تلقيتها علي بريدي الإلكتروني من الكاتبة الأستاذة : »نهي الصدر« التي كثيراً ما ترسل روائعها لمن تختارهم علي شبكة النت. و»نهي الصدر« اعتبرها كاتبة تتميز بأنها دءوبة في بحثها، جادة في تنقيبها، عن كل ما تتوقف أمامه من معان إنسانية سامية، وتعيد نشره علي أوسع نطاق لعل وعسي تعيد هذه المعاني إلي نفوسنا وقلوبنا ما غاب عنها من صفات وخصال كان يجب التمسك بها والحرص عليها. تحت عنوان:»من أروع ما قرأت من القصص«.. كتبت الأستاذة نهي الصدر قصة المقهي الشهير في مدينة البندقية بأسلوب شيق و جذاب وصولاً بها إلي هدفها الذي لخصته في بضع كلمات أنهت بها رسالتها، متسائلة: [ أين نحن من تطبيق هذه المبادئ وديننا قد أمرنا بالتلاحم؟!]. الإجابة عن سؤال الكاتبة ليست صعبة، لكنها في تصوري مؤسفة.