محىى عبدالرحمن هل يمكن تضليل الناس وتعطيل عقولهم وسلب إرادتهم بالشعارات؟ هل يمكنك مسح ذاكرتهم وتحويلهم إلي قطعان من الغنم والأبقار تحلب لبنها وتنزع عنها اصوافها بلا مقابل فتدعو لك وتحرص علي اطاعتك مهما كلفها الامر؟ فعلها الريان بالأمس القريب، وسبقه اليها كثيرون علي مدار التاريخ، ويذكر الجبرتي ان خدم مسجد السيدة نفيسة - رضي الله عنها- وكبيرهم الشيخ عبداللطيف أظهروا للناس عنزا صغيرة، وألفوا حولها قصة خلاصتها أن جماعة من المسلمين الذين يحاربون في بلاد الكفار، وقعوا في الأسر فنذروا لله نذرا إن نجو ان يذبحوا عنزا يوزعون لحمها صدقة، وانهم احضروا العنز وباتوا حولها يدعون الله متوسلين بالسيدة نفيسة وعلم الكافر الذي أسرهم بأمرهم فزجرهم ومنعهم من ذبح العنز، فلما بات ليلته رأي رؤيا أزعجته، فلما اصبح اطلق سراحهم واعطاهم دراهم وصرفهم معززين مكرمين، فركبوا مركبا وقدموا مصر ومعهم العنز وقصدوا مسجد السيدة نفيسة، ونسج الشيخ عبداللطيف ومن معه من خدم المسجد هالة عظيمة من المجد والكرامات حول العنز فقالوا انها تصعد وحدها الي منارة المسجد، وتدخل مقام السيدة نفيسة، وانهم حبسوها في غرفة فلما اصبحوا وجدوها حيث تشاء في منارة المسجد أو في المقام، وقالوا انها تتكلم، سمعوها بآذانهم كما سمع الشيخ عبد اللطيف صوت السيدة نفيسة وهي تتكلم وتوصيه برعايتها؟ وراح الشيخ عبداللطيف يخرج علي الناس ويجلس العنز بجانبه ويقول فيها ما يقول حتي صارت حديث القاهرة كلها، وأقبل النساء والرجال من كل فج لزيارة العنز المباركة يأتون اليها بالهدايا والنذور، فقال لهم الشيخ انها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق، وتشرب ماء الورد والسكر المكرر، فأتوه من ذلك بالقناطير، وعملت النساء للعنز قلائد الذهب والأطواق والحلي يسارعن بها الي الشيخ، وافتتن الناس بالعنز وشاع أمرها في بيوت الأمراء فأرسلت نساؤهن النذور والهدايا علي قدر مقامهن، وتزاحمن لزيارتها، ومن لم يسمح لها مقامها بالذهاب أرسلت للشيخ الهدايا العظيمة ملتمسة زيارة العنز لها في بيتها، فلما سمع بذلك عبدالرحمن كتخدا كبير الأمراء المصريين أرسل الي الشيخ يلتمس احضار العنز ليتبرك بها هو وأهل بيته، فركب الشيخ بغلته والعنز في حجره ومعه طبول وبيارق وحوله كثير من الناس ودخل بيت الأمير الذي لمس العنز متبركا بها ثم أمر بإدخالها الي الحريم ليتبركن بها، وكان قد أوصي كبير طباخيه بذبح العنز وطبخها وتقديمها في طعام الغداء، فأكل منها الشيخ وعدد من الأمراء والوجهاء، فلما فرغوا طلب الشيخ عنزته فأخبره الأمير انها هي التي كانت بين يديه في صحن الطعام فبهت الشيخ ووبخه الأمير وامر بأن يعود وجلد العنز ملفوفا علي عمامته.