الفقر والبطالة أهم أسباب الظاهرة .. والعقوبة وحدها لا تكفي في الوقت الذي تاخذ فيه كل امة بيد ابنائها وتهييء لهم مستقبلا مشرقا.. نجد الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء يخرج الينا برقم صادم بارتفاع معدل عمالة الاطفال في مصر الي مليون و600 الف طفل!! هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة ولكن وصولها الي هذا الرقم يدق ناقوس الخطر لمجتمعنا بضرورة بحث اسباب هذه الظاهرة وضرورة العمل والبحث علي حلول سريعة وعملية من اجل الحفاظ علي حقوق اطفالنا. بطالة.. فقر.. اعالة الاسرة كلها اسباب ادت الي هذه الظاهرة خاصة مع التخبط السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه الان.. "بلية " وهو اشهر الالقاب التي تطلق علي الطفل العامل في مصر اصبح مكانه لا يقتصر علي الورش فقط.. بل تعددت مجالاته حتي ولو تم استغلاله سياسيا.. فهولا يهتم بما يفعل لا يهمه كسب"قوت يوم: من اجل اسرته،رغم وجود قوانين تحمي الطفل المصري وتضمن له حقوقه الا انها مجرد "حبر علي ورق" فقط. "الاخبار" قامت بمناقشة الظاهرة مع الخبراء. في البداية يقول الدكتور رشاد عبده استاذ الاقتصاد ان ما يقع بحق الطفل المصري يعد جريمة بكل الاشكال، فقديما كانت هذه الظاهرة موجودة في الارياف فقط اثناء جني المحاصيل ونظرا لتدني مستوي الدخول وارتفاع نسب السكان هناك.. ومع مرور الوقت وبسبب الهجرة من القري الي المدينة اصبح هذا هوالمشهد السائد لدينا،الظروف الاقتصادية هي العامل الرئيسي في خروج الطفل الي الشارع سواء برغبته اومجبرا من قبل اسرته للبحث عن رزقه ليتحول في هذه المرحلة من قوي مستهلكة الي قوي منتجة ولكن باهدار حقوقه.. مضيفا ان تدني مستوي الدخول وارتفاع نسبة البطالة بسبب الاعتصامات واغلاق العديد من المصانع والشركات بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي نعيشه دفع ببعض الاسر بابنائهم الي العمل حتي لا يصبح الطفل عبئا ماديا علي اسرته بل يتحول الي عائل لها. ويقول الدكتور محمد اسماعيل استاذ القانون الاجتماعي ان هذه الظاهرة مركبة ويجب البحث عن كل ابعادها المختلفة، فقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 يتضمن فصلا كاملا عن تشغيل الاطفال واحكام ذلك القانونية وابرزها وضع حد ادني لسن التشغيل بحيث لا يقل عن 14 عاما اواتمام المرحلة الدراسية الالزامية،فنحن بحاجة الي احصائية توضح بالتفصيل الشرائح العمرية للعمالة من قبل الجهات المنوطة بذلك لان هناك اعمال خطرة لا يجوز العمل بها لمن هم اقل من 18 عاما مثل المناجم ،افران اللحام والمجازر. ويضيف ان المشكلة ليست في تطبيق القانون فقط بل في البحث عن الابعاد الحقيقية للمشكلة والتي تتجسد في الفقر والبطالة لذا يجب البحث عن بدائل بدلا من تطبيق القانون فقط والذي يفرض غرامة علي صاحب العمل لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد علي 1000 جنيه وتتعدد حسب عدد الاطفال العاملين.مشيرا انه يجب ان تضع الحكومة خطة استيراتيجية قومية للحد من نسب الفقر والاهتمام بالتعليم ومنظومته لان اغلب الاطفال العاملين متسربين من مراحلهم التعليمية بالاضافة الي الاهتمام بالتدريب والتاهيل المهني بحيث يجد الطفل مكانا يطور فيه من مهنته خاصة وان اغلب هذه العمالة يكون قرار العمل فيها عائدا الي الاسرة وليس قرار الفرد نفسه لذا من لا يوفق في التعليم يجب ان تستوعبه منظومة التدريب. وتشير الدكتورة سامية الساعاتي استاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس ان ما نحن عليه الان هونتاج تراكمي لسنوات متعددة مضت وكان من الطبيعي ومتوقعا ان نصل الي هذه المرحلة بالاضافة الي ما نعانيه الان من تشتت مجتمعي في كافة المجالات ،فكل رب اسرة يدفع بابنائه للخروج الي الشارع والبحث عن عمل ويسلب منه اجمل سنوات عمره وطفولته,وذلك جريمة ففي الدول المتقدمة هناك قوانين لمحاسبة وردع المخالفين لذلك اما الدول النامية فلا تتحرك اي جهة فلدينا قانون حماية الطفل هو"حبر علي ورق " فقط وان كنت اتمني بعد صدمتنا بهذا الرقم ان تسرع الجهات المعنية وتبحث جذور هذه الظاهرة لتقضي عليها بدلا من ان نترك الظاهرة بدون حلول ونجد الرقم يتضاعف ووقتها لن تجدي اي حلول في الوقوف امام هذه الكارثة. وتشير إلي أنه يجب ان نعمل من الان علي تجريم عمل الاطفال وتشديد العقوبة علي المخالفين لذلك والعمل علي تحسين مستوي المعيشة ،بالاضافة الي نشر ثقافة رفض هذه الظاهرة. ويضيف الدكتور هاشم بحري استاذ الطب النفسي ان عدم حصول الطفل علي حقوقه الطبيعية والبسيطة وتحويله الي رب اسرة مبكرا بل وفي بعض الاحيان الي قهره من قبل صاحب العمل اواستغلاله جنسيا من الطبيعي ان يخرج طفلا مشوها نفسيا لهذا المجتمع ،ويصبح عرضة للتعامل مع المشكلات المباشرة مثل المخدرات اوالجريمة بشكل عام. ويضيف ان بعد الثورة وبسبب عدم الاستقرار الذي نعانيه قامت بعض الهيئات مثل هيئة انقاذ الطفولة واليونسيف بتقليص الدعم الذي كانت تقدمه لاطفالنا ، وحتي نستعيد استقرارنا مرة اخري وفي ظل تلك الظروف اعتقد ان العديد من اطفالنا سيدفع ثمن ذلك لدرجة اننا نقف الان مكتوفي الايدي نكتفي بالمشاهدة فقط واطفالنا يهدر حقهم نفسيا واجتماعيا.