يخطب في الناس »أبوحفص« ويقول: أنا لست بخير منكم لكني أثقلكم حملا.. ويضيف: أحق الناس بإجلال الله وخشيته من حمله المولي ما حملني من أمر ويواصل عظة رعيته: »ان الدنيا ليست دار قرار.. فهي إلي الآخرة ممرّ«. ويضيف كأن الحكمة تستنطقه.. فالحكمة خافية حتي تجد النفس الشفافة.. فتطل علينا منها.. والحكمة صامتة حتي تجد لسان بشر. »ياقوم فعودوا لله.. وأحسنكم من يحسن عودته لله تعالي.. أحسنكم من ينقل لله هواه.. ومن يتزود بالتقوي.. فالتقوي هي دار الخير«. »لم أر شيئا أعون للمسلم من إعطاء الحق له.. ليس لدي ألذ جميعا في الدنيا من حق وافق ميلا وهوي.. أهلك من سبقونا حبس الحق إلي أن يُشري منهم أو بسط الظلم إلي أن يقدي منهم« مازال يحدث أمته عن ملكوت الحق عمر.. فالحق أحق بأن يتبع ورجل الحق أحق بأن يتصدر. والأمة إن سارت خلف لواء الحق نجت.. ونجاة الأمة مسئولية حاكمها.. فهو الربان يقود سفينتها.. والأحداث كما الأمواج تراوح بين المد وبين الجزر. والفتن كما الشعب المرجانية تكمن أحيانا تحت السطح.. وأحيانا تبزغ فوق السطح جزر.. وعلي الأمة مسئولية ان تختار لهذا الواجب من بين بنيها الأمهر. حين يسود الحق تصير الأرض، كما الفردوس.. وتسقط أسوار الخوف المبنية من ظلم.. واستسلام للظلم من الظلم أمرّ. بلور »عمر« الحلم الإسلامي.. وأقنع بالتطبيق العملي القائل إن الإسلام مثال نظري صعب في الواقع أن يتبلور. »إلزم يا هذا الحق.. لينزلك الحق منازل أهل الحق« يقول لأحد العمال علي الأمصار »عمر«. »إن جاءك يا ذاك كتاب في غير الحق.. لتضرب بكتابي الأرض« يقول الآخر. ويحرض أمته ضد المتجاوز ممن ولاّهم.. فيقول لأفراد رعيته: من من عمالي يرغب عمَّا شاء الله من الحق فلا سمع ولا طاعة.. ولقد صيّرت لكم- حتي يرجع للحق.. به الأمر. »والله وددت بألا تبقي مظلمة في الأمة إلا ورددت المظلمة وأن يسقط مني عضو من أعضائي.. حتي ان لم تبق هناك مظالم سألت نفسي« كذلك راح يناجي النفس الشقاء »عمر«.. ويحدد واجبها نحو الله ونحو الناس.. ويرسم بالنية والفعل وبالأمنية لها الدور.. ويذكرها بوظيفتها المحدودة في الدنيا ان ترفع عبء الظلم من المظلومين.. وحين تؤديها تنسل من الجسد الواهن.. لا تتأخر. كان يميت النفس لكي يحيي الأمة وسواه يقول: إذا مت أنا ظمآن فلا نزل القطر. كنت الإيثار المحض »أبا حفص«.. ظلمتك الأثرة في أشخاص ذوي القربي من آل أمية.. ويقينك بالحق كما الطود الشامخ لا يتأثر. أصبح »عمر« الورع يسير علي قدمين.. ويمشي بين الناس بسيرة »عمر« الفاروق الجد.. يحدثهم عن تقوي الله تعالي.. والناس علي دين ملوكهم خيرا أو شرّْ. وكما هي عادات الفاروق تخفَّي »عمر« السبط بزي يحجبه عن معرفة الناس به.. خرج ومولاه يجوسان خلال الأرياف.. ويسأل أحد المارة عن بلدته.. فيرد عليه أنا من »يثرب« ولقد فتُّ بها الظالم مقهورا والمظلوم سعيدا بالنصر. يطرب »عمر« السبط.. ويلتفت لمولاه »مزاحما« المشبه »أسلم« مولي الفاروق ويهمس ان كانت كل البلدان كتلك فهذا عندي أحلي من كل زمان طلعت فيه الشمس علي بحر أو برّْ . وتطلع لسماء الله طويلا »عمر« السبط- كما فعل الجد- يحاول بالكلمات البشرية أن يحمد مولاه ويشكر. صرت نظاما من ورع عام، يا »عمر« يسير دولاب الدولة.. والمحكومون مرايا الحاكم.. أصل القدوة صار.. وصاروا للأصل صور. بذر أمير الأمة في تربة أمته العدل.. تعهّده برعايته اليومية.. حتي ظلَّله من أغصان الناس ثمر. ازدهرت أمته.. وتفاوحت الرائحة العطرية في كل الأرجاء.. وكأن حكايته أغنية متواترة يتداولها الطير. أسلم في أقصي أرجاء الأرض المترامية الأطراف أناس لم يصل الجيش الإسلامي لهم.. وتسمَّوا بالأسماء العربية إذ وصلتهم عن أنباء »أبي حفص« بعض سير. بعث إليه العمال علي الأمصار يقولون: لقد قل خراج الجزية إذ إن دخول الناس الإسلام كثر. ولنا في سيرة خامس خلفاء رسول الله بقية.. إن أذن تعالي بالأمر.