بقلم : جمال الغىطانى في »بين القصرين« رائعة نجيب محفوظ الخالدة، يقف السيد أحمد عبدالجواد في دكانه بالنحاسين، يتلقي توكيلا عن الوفد الذي ذهب الي المعتمد البريطاني مطالبا باستقلال مصر، رفض السامي وقال انهم لا يمثلون الشعب، هنا ابتكر المصريون فكرة التوكيلات، وهكذا قلبت زعامة ثورة 9191، اعظم ثورة مصرية في التاريخ الحديث، واعمقها تأثيرا، كان علي رأس الزعماء رجل قوي لا يهاب الانجليز أو المتحالفين معهم، وكان معبرا بدقة عن مصر والمصريين، ورغم تجاوزه السبعين قبل النفي الي جزيرة نائية في المحيط الهندي، رفعه المصريون الي درجة الاسطورة، ولحسن الحظ لم يكن هناك انترنت وقتئذ او تغريدات، يقبل السيد أحمد علي توقيع التوكيل بفخر، ويتمهل عندما يوقع بامضائه، التوكيلات التي عمت حزب الوفد والثورة ابتكار مصري صميم، دائما يقدم المصريون علي الابداع في المنعطفات الحساسة واللحظات الحاسمة، في ثورة يناير كان ابداع الاعتصام في ميدان التحرير، هذا سلوك مصري صميم، اما الدعوة الي التظاهر عبر الفيس بوك فمشكوك في امرها، هذا اسلوب تم التدريب عليه في صربيا وسلوفاكيا والولايات المتحدة، التكنيك مستورد، اما الاعتصام الهائل لمدة ثمانية عشر يوما متصلة فابتكار مصري تماما نقي وابن اللحظة، هذه الايام نشهد ابداعا مصريا جديدا سيكون له اصداء واسعة في العالم وقبل ذلك في الداخل، اعني التحرك الواسع الذي يقوم به مجموعة من الشباب الآن في بر مصر تحت عنوان »تمرد« اعترف انني لم ألم بالظروف التي ولدت فيها الحركة، لكنني من خلال متابعة ما ينشر عنها واللقاءات مع افرادها يمكن القول انها احد تجليات الغضب العام الذي يعم المجتمع، ومحاولة للقفز علي حالة اليأس التي بدأت تتعمق مع ثبات الاوضاع وعدم ظهور اي طاقة للأمل في تغيير حقيقي، مع تدهور الاحوال، حركة تمرد تثير الأمل لكن الي اي حد سيمكنها تغيير الاوضاع؟ هذا ما يجب متابعته وترجمته.