جمال الغيطانى يمكن القول ان الأدب الجديد المعبر عن تجربة الثورة ذاتها والمشاركة الحقيقية فيها بدأ في الظهور، ما بين الأحداث وظهور الابداع الفني المعبر عنها وقت يجب ان يمر ونلاحظ ذلك في ثورة 9191 التي ظهر تأثيرها الروحي والثقافي واستمر حتي الستينيات من القرن الماضي، المجموعة القصصية الصادرة عن دار نشر الربيع العربي للأديب طارق مصطفي أعتبرها علامة مهمة في الادب القصصي عامة والادب المعبر عن ثورة يناير خاصة، في البداية تبدو القصص الأولي أو المتتاليات الافتتاحية بعيدة عن الميدان، أقرب إلي البورتريهات، ونلاحظ الاسلوب الرفيع البسيط العميق والذي وصل في بعض مستوياته إلي الرهافة الشعرية، خيوط رفيعة دقيقة تصل المتتاليات بعضها لبعض، انها الوحدة، عدم التحقق، الاستغراق في الذوات، ولكن مع بداية الثورة يحدث الانعتاق ، مع تقدم المتتاليات تقترب من الميدان أكثر وتختنق بغازاته ونري أوصافا حية لم نقرأ مثلها من قبل لموقعة الجمل التي تتكرر مشاهدها في المتتاليات وكأنها نغم ثقيل عن آلات القتل والفوضي المعمدة بالدم، في الميدان يحدث التحرر من القيود والاثقال والاحساس باللا جدوي. يجري ذلك عند كل شخص جري ذكره أو التوقف عنده في الشوارع الجانبية المؤدية كلها إلي الميدان، شوارع عديدة تسري في المكان والزمان، تصب في الميدان، هنا يصبح للميدان معني يتجاوز حضوره المادي ومكانه المحدود. في براعة معمارية يعيد طارق مصطفي استحضار الشخصيات التي ذكرها في التوالي، كريم حاتم الذي سرق جهاز الاستماع الموسيقي منه فكاد ينتحر، ماريان الممرضة، أحمد عبدالرحمن الطبيب في المستشفي الميداني، أم أماني التي فقدت ابنتها وعاشت علي احزانها ثم أصبحت اما للثوار، حمو الذي يبحث عن حبيبه المثلي. في النصوص جرأة في التعبير الذي يتميز بالاحساس المصري العميق، أهم ما في هذا العمل الفريد الإبداع المختلف. للكتابة الجريئة الجديدة الصادقة، البراعة في التجسيد، سواء المكان أو الإنسان. ملامسة اللحظة النادرة في التاريخ. انه حدث ابداعي أتمني الانتباه إليه. (431 صفحة - دار الربيع العربي)