بعد سنوات طويلة من عمله السري قررت إسرائيل إحالة رئيس مجلس الأمن القومي الجنرال إيجورا إيلان إلي التقاعد حاملاً معه صندوق أسراره. ومجرد أن أبدي الرجل رغبته في الكتابة كباحث ومفكر حتي تهافتت عليه المؤسسات الصحفية والإعلامية ومراكز الأبحاث والدراسات ليكتب ما بدا له فالرجل كان يعمل مستشاراً لمجلس الوزراء وبالتالي فإن شهرته تسبق كلماته ولربما يذل سن قلمه فيفشي بسر من الأسرار وهو ما حدث بالفعل 51/2/0102 عندما نشر مركز بيجن/السادات للدراسات الإستراتيجية دراسة للجنرال إيلان بعنوان " البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين " وملخصها أن الجنرال إيلان قد أحس بما يعانيه الفلسطينيون علي مدار عشرات السنين واكتشف أن من حقهم أن تكون لهم دولتهم القابلة للحياة كحق إسرائيل في الحياة ولكن مساحة فلسطين كلها (27 ألف كم2) تكاد تكفي لدولة إسرائيل الصغيرة ووضع الجنرال إيلان الخرائط أمامه وبدأ يتأملها واكتشف الحل الذي يبحث عنه في إطار بديلين: أولهما يتضمن إعادة الضفة الغربية للأردن لإقامة إتحاد كونفيدرالي بينهما، وثانيهما: يطرح فكرة "تبادل الأراضي "بين مصر وإسرائيل والأردن لإنهاء صراع الشرق الأوسط مستنداً في ذلك إلي أن إنسحاب إسرائيل أحادي الجانب من غزة عام 2005 كان بمثابة الخطوة الأولي لتنفيذ هذا البديل الذي يجب ان تليه خطوات أخري يتم بمقتضاها صفقة تبادل أراضي متساوية المساحة بين إسرائيل ومصر والأردن تتخلي بموجبها مصر عن مساحة 720 كم2 في المنطقة المحصورة بين الشريط الساحلي من رفح (شرقاً) في اتجاه العريش (غرباً) بطول 24 كم ثم يتجه هذا الشريط داخل الأراضي المصرية لمنطقة كرم أبو سالم علي إمتداد الحدود المصرية الإسرائيلية (جنوباً ) بطول 30 كم مما سيضاعف مساحة قطاع غزة الحالية (365 كم2) ثلاثة أضعاف ( 1085 كم2) ويتيح ذلك للقطاع إقامة مدينة مليونية لاستيعاب الزيادة السكانية الطبيعية (من 1.5 مليون نسمة إلي 2.5 مليون نسمة عام 2020) وعدد من اللاجئين مع زيادة مسطح المياه البحرية للقطاع (24 كم ) بعمق 9 أميال بحرية بما فيه من ثروات للغاز الطبيعي (هذا كلام الجنرال إيلان عن الغاز الطبيعي المصري بطبيعة الحال) مضافاً إليها إقامة مرفأ بحري ومطار دوليين وفي مقابل ذلك يتنازل الفلسطينيون لإسرائيل عن مساحة مماثلة (720 كم2) بنسبة 12 من مساحة أراضي الضفة الغربية الملاصقة أما مصر فتحصل علي مساحة مماثلة (720 كم2) أو أقل قليلأ من صحراء النقب داخل إسرائيل علي أن تسمح لها إسرائيل بشق ممر بطول 10 كم في إتجاه الأردن ( بمسافة5 كم إيلات) ويكون لمصر حرية المرور عبره وتنفيذ شبكة طرق برية وخط لنقل النفط من منطقة الخليج العربي بما سيحقق لمصر فوائد اقتصادية ضخمة لمصرإلي جانب بناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء وإقامة مشروعات لتحلية المياه بتمويل من البنك الدولي كما يمكن تعديل الملحق العسكري لاتفاقية معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كمطلب شعبي مصري "لتبرير موافقة مصر علي مبادلة الأراضي".. ثم تتحدث دراسة إيجورا أولاند عن الفوائد التي سيجنيها الجميع من هذه الصفقة الإقليمية الشاملة (مصر واسرائيل والأردن والفلسطينيون) ويلمح في أكثر من موضع إلي تبني أمريكا لهذا الحل الإقليمي الذي يطرحه أولاند الذي أعاقت تنفيذه مؤقتاً ثورات الربيع العربي ليعود الحديث عنه مجدداً الآن بعد تسريبات تفيد بإمكانية قبول وفد متابعة المبادرة العربية للسلام (في لقائهم بوزير الخارجية الأمريكية جون كيري في واشنطن مؤخراً) بمبدأ "تبادل أراض" عند رسم الحدود بين إسرائيل وفلسطين المستقلة وكان رد القوي الفلسطينية علي هذه التسريبات في غزة رفض ذلك لأنه بمثابة "وعد بلفور جديد " علي حد وصف بعض قادتها.. أما في الأردن فلم يلق هذا الطرح سوي الرفض القاطع.. وفي مصر ربط بعض المحللين مابين هذا الطرح الإسرائيلي والإجراءات التي اتخذتها مصر في مجال حظر التصرف في أراضي سيناء علي إمتداد الحدود السياسية الشرقية بعمق 5 كم داخل سيناء تحسباً لهذا المخطط.. إنه الفراغ الاستراتيجي في سيناء الذي يغري بالأطماع والعدوان فليس هناك ألغاز عصية علي الفهم وببساطة شديدة : هناك المخزون الهائل للغاز الطبيعي في منطقة شرق حوض البحر المتوسط الذي يسيل له لعاب إسرائيل فكلما أمكن زحزحة حدود مصر بعيداً نحو الغرب كلما زادت أرصدة الغاز الإسرائيلية في الشرق وهو مايتضح مما ذكره الجنرال إيلاند ذاته عندما شرح المنافع التي ستعود علي قطاع غزة نتيجة لإمتداد عمق ساحله داخل البحر إلي 9 أميال حيث ثروة الغاز التي سيستفيد منها القطاع نتيجة لتوسعة مساحته داخل الأراضي المصرية وهو إدعاء غير حقيقي فثروة الغاز تقبع بعيداً في أعماق البحر المتوسط حيث المياه الإقليمية الممتدة نحو 200كم تليها المنطقة الاقتصادية الخالصة وجرفها القاري ومعها وفيها تتركز أطماع وأحاجي إسرائيل في نقاط دقيقة محددة تتلاقي فيها الحدود البحرية لمصر وقبرص وإسرائيل وتُحسب المصالح الإقليمية فيها ب "الفيمتو ملليمتر" ولو كان إيلان حسن النية لترك الشأن المصري في سيناء للمصريين أصحاب الأرض إحتراماً لمعاهدة السلام التي وقعتها دولته وكان بإمكانه إعطاء النصيب الذي يعرضه علي مصر إلي قطاع غزة في صحراء النقب الملاصقة تماماً لجنوب القطاع مباشرة دون حاجة لجسر أرض الوسيط المصري بل ودون حاجة إلي نشر مثل هذه الأفكار في مركز أبحاث بيجن /السادات فنصف إسمه يحمل اسم الرئيس المصري الذي زار يوماً إسرائيل ووقع معها أول اتفاقية عربية للسلام...!!