العمال في جسيم الأمة دم يجري في عروقها، يمدها بالقوة والحركة والنماء والخير، ونجاح الأمم في أداء رسالتها، يعود إلي ما يقدمه بنوها من أعمال شريفة صادقة، تحوز لها السبق البعيد، وتقودها إلي السعادة في الدنيا والآخرة، فالجنة لأهل السعي المخلص، والكدح النبيل. يقول الله سبحانه: »وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون«، »فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون«. والعمل في الإسلام ليس خاصا بالأعمال ذات الطابع الديني الروحي كالصلاة والصيام والحج، ولكنه العمل الذي تتسع دائرته، ويمتد إطاره ليشمل كل جهد مثمر، وكل سعي لخير البشرية، وحفظ الجماعة الإنسانية، وصيانة سيادتها، والواقع أن هذا العمل يؤكد أن الإسلام دين ودنيا، صلاة وسعي، عبادة وتجارة، مسجد ومصنع ومكن ومعمل وتحرك كبير، يؤدي حقوق العباد، ويبتغي وجه الله، وهو توجيه رائع ينادي المؤمنين قائلا: »فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون«. وما أروع هذا النداء السامي الجليل الذي يهيب بالمسلمين المؤدين لصلاة الجمعة ألا يطول مكثهم في المسجد بعد الصلاة، فعليهم أن ينصرفوا إلي أعمالهم في أرض الله الواسعة، ويستوي في ذلك يوم الجمعة وغيره!! ان العمال مطالبون بزيادة العمل والانتاج، ومضاعفة الجهد والكفاح في البناء والتعمير والتشييد والتصنيع، فلن ينهض الوطن الا بنضالهم، ولن يقوي إلا بسواعدهم، ولن يرتقي وينطلق ليلحق بركب التطور المذهل إلا بعملهم وانتاجهم، وعلي العمال المخلصين ان يدركوا ان اخلاصهم سوف يرفعهم إلي اسمي مراتب المصلحين، وأعلي درجات المجاهدين، يقول رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »من بني بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجرا جاريا، ما انتفع به أحد من خلق الرحمن تبارك وتعالي« ويقول: »ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان الا كان له به صدقة«. ان كثرة الاضرابات والاحتجاجات والاعتصامات والمطالب التي لا تراعي ظروف الوطن وقدراته، وتقوم بتعطيل العمل والاضرار بمصالح المواطنين - تعد أثرة مجردة، وخسارة واضحة وخطرا كبيرا يفضل الانقسام والاعنات والتقصير والقطيعة والنأي عن منطق التعاطف والتراحم والتعاون. والمطالبة بغير ما يكفله القانون والحقوق المشروعة ظلم واضح لا يرضي عنه المولي عز وجل حيث يقول: »وان الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين« ان المطالب التي تصر علي استخدام العنف والتعطيل ووقف عجلة الانتاج، وتجاهل ما يمر به الوطن، وعدم الصبر حتي يأتي الفرج، ويتحسن الاقتصاد تعتبر إرهاقا لجسد الأمة وامتناعا عن التعاون مع الناس في احتياجهم إلي ضروب الخدمات العامة وغيرها. وهنيئا للعمال المخلصين فعملهم ينمي القليل حتي يزن الجبال، ويدعم التنمية ويحقق الرخاء، انهم أوفياء، بعين الله، وفي كنفه تصلي عليهم الملائكة، وتشيد بيدهم التي يحبها الله ورسوله، ولهم الحسني وزيادة: »للذين أحسنوا الحسني وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون...«. ان مصر تعتز بكل مخلص وفيًّ ينظر قبل كل شيء إلي المثل العليا والمصلحة العامة، وتزهو بكل موظف أمين وكل أجير يخشي الله في عمله، ويؤديه علي أحسن وجوهه، مؤمنا بأن العمل حق وشرف وعبادة، وان احسان العمل عمل صالح جزاؤه عظيم، يقول سبحانه: »ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا«، ويذكر في كتابه الكريم: »فنعم أجر العاملين«. »ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما. أما رسول الله »صلي الله عليه وسلم« فيقول: وان قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فان استطاع ألا يقوم حتي يغرسها فليغرسها« وهذه دعوة إلي العمل حتي آخر لحظة في هذه الحياة، فهنيئا للعمال المخلصين.