ومن ألطف ما قرأته في هذا السياق ما رواه مسلم في صحيحه قول النبي: »اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفِق به« وعمرو بن العاص - رضي الله عنه - عرف واجبه نحو رعيته فكان لهم نعم النصير والرفيق، وعائشة - رضي الله عنها - بكل إنصاف وتجرُّد تبين منهج الإسلام في ترسيخ أواصر الرحمة والشفقة السياسية؛ ومن الصور العملية الرائعة التي تحقق هذه الغاية العظيمة أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب في رعيته قائلاً: (ألا إني - والله - ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلِّموكم دينكم وسُنَّتكم؛ فمن فُعِل به شيء سوي ذلك فَلْيرفعه إليَّ؛ فوالذي نفسي بيده إذاً لأقصن منه. فوثب عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين! أَوَ رأيت إن كان رجل من المسلمين علي رعية، فأدب بعض رعيته، أئنك لمقتصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذاً لأقصن منه، أنَّي لي لا أقصه وقد رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقص من نفسه؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفِّروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم)، فمهمة الوالي ليست التسلط والتطاول علي الناس وسلبهم أموالهم؛ بل الإحسان إليهم، والحفاظ علي حقوقهم، وإخراجهم من دواعي العبودية والذلة لغير الله تعالي؛ ولهذا توعد النبي صلي الله عليه وسلم الوالي الذي يُعرِض عن حقوق الناس، ويستهين بحاجاتهم، بقوله: اما من إمام أو والٍ يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة؛ إلا أغلق الله أبواب السماء دون حاجته وخلته ومسكنته.