** الكلام في العزل دائماً مؤلم علي كافة المستويات.. أدبيا واجتماعيا ونفسيا وسياسيا ودوليا.. وله تأثيراته الخطيرة ونتائجه السلبية او الإيجابية وفقا لكل حالة.. وأيضاً وفقا لأعمال قاعدة العزل او استخدام الحق في العزل او الامتناع عن استخدامه او اللجوء اليه.. ولما كان للعزل تلك الأهمية والخطورة كان هناك إدراك مبكر لحساسية استخدام العزل وتطبيقه علي وظائف بعينها وتم منحها حصانة ضد العزل.. او التشدد في وضع ضوابط لتطبيق او تنفيذ حكم او قرار العزل.. وقد كان الهدف الأسمي دائماً الحرص علي اقامة العدل وحفظ الحقوق وصيانتها وإغلاق كل أبواب العبث وسد كل ثغرات الفساد في كل زمان ومكان.. في مقدمة الوظائف التي حظيت بحصانة خاصة في التاريخ والفقه الإسلامي منصب القاضي والمفتي والوالي.. وما عرف من تسميات بعد ذلك مستحدثة ولكنها لا تخرج في إطارها العام عن المهام المحددة او المعروفة في تلك الوظائف او الولايات العامة.. ولابد من الاشارة هنا الي ان تلك الوظائف في صدر الاسلام كان يقوم بها مجتمعة فرد واحد.. فقد كان هو الوالي والقاضي والمفتي.. الا اذا راي الحاكم او الخليفة ان يخصه بولاية محددة كالخراج مثلا او اي مهمة معينة..پوكان من شروط اختيار او ترشيح الشخص للوظيفة العامة او للولاية في الأقاليم وغيرها ان يكون مجيدا ومشهورا عنه الاهلية الكاملة لذلك ومشهود له بالتقي والورع ومخافة الله وخشيته.. فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتخير وُلاته مِن أهل الصلاح للحكم. وأولي العلم المعروفين بالتقوي. ويختارهم ممن يُحسنون العمل فيما يُولّون. ويُشرِبون قلوب الرعية بالإيمان ومهابة الدولة. عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أَمَّر أميراً علي جيش أو سَرية أوصاه في خاصته بتقوي الله. ومَن معه مِن المسلمين خيراً" رواه مسلم0 روي الإمام علي - رضي الله عنه قال : "بعثني رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إلي اليمن قاضياً. فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟ فقال : إن الله سيهدي قلبك. ويثبت لسانك. فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتي تسمع من الآخر كما سمعت من الأول. فإنه أحري أن يتبين لك القضاء ¢. قال : فمازلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد".. وقد ولي النبي - صلي الله عليه وسلم - رجالاً من الصحابة علي القضاء في حياته كعمر بن الخطاب. علي بن أبي طالب. معاذ بن جبل وعتاب بن أسيد.. وقد حفل التراث الفقهي الإسلامي بأدبيات رائعة في هذا المجال.. وهناك نظريات واضحة في ترسيخ الأسس والمبادئ المنظمة لاختيار القضاة والمفتين.. ومتي يجوز عزلهم او انهاء ولايتهم او نزع الحصانة عنهم.. ولم تكن تلك المسألة مطلقة في استخدام او رفع سيف العزل.. روي الطبري أن الفاروق عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: أيها الناس. إني والله ما أرسل عمالاً ليضربوا أبشاركم. ولا ليأخذوا أموالكم. ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم. فمن فعل به شيء سوي ذلك فليرفعه إلي. فوالذي نفس عمر بيده لأقتصن منه. فوثب عمرو بن العاص. فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين علي رعيته فأدب بعض رعيته. إنك لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذًا لأقصنه منه. وقد رأيت رسول الله يقص من نفسه0 وكان شعارعمر دائما : خير لي أن أعزل كل يوم واليًا من أن أبقي ظالمًا ساعة نهار.. وقال: أيما عامل لي ظلم أحدًا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته. وقال يومًا لمن حوله: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل. أكنت قضيت ما عليَّ؟ فقالوا: نعم. قال: لا. حتي أنظر في عمله. أعمل بما أمرته أم لا؟ ولم يكن عمر ينظر إلي صلاح الرجل في ذاته. ولكن إلي صلاحه للولاية. لذلك كان يولي أناسًا وأمامه من هو أتقي منهم وأكثر علمًا, وأشد عبادة. وكان يقول: إني لأتحرج أن استعمل الرجل وأنا أجد أقوي منه. وكان يستعمل رجلاً من أصحاب رسول الله مثل عمرو بن العاص. ومعاوية بن أبي سفيان. والمغيرة بن شعبة. ويدع من هو أفضل منهم مثل عثمان بن عفان. وعلي. وطلحة. والزبير. وعبد الرحمن بن عوف. ونظرائهم لقوة أولئك علي العمل والبصر به. ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له.. ومعروف ان عمر كان يرجح الأقوي من الرجال علي الاتقي. فقد عزل عمرُ شرحبيلَ بن حسنة وعيّن بدله معاوية. فقال له شرحبيل: أمن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. ولكني أريد رجلاً أقوي من رجل. والرسالة السامية من الفاروق الي ابي موسي الاشعري حين ولاه البصرة اكثر من مشهمرة و اجريت حولها الدراسات في ادب القضاة و التقاضي.. قال فيها : بسم الله الرحمن الرحيمپ: ¢من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلي عبد الله بن قيس: سلام عليك.. أما بعد. فإن القضاءَ فريضةى محكمة وسنةى متبعة. فافهم إذا أُدْلِي إليك. فإنه لا ينفعُ تكَلُّمُ بحق لا نَفاذَ له. آس بين الناس في وجهِك وعدلِك ومجلِسِك. حتي لا يطمعَ شريفى في حيفك. ولا ييأسَ ضعيفى من عدلك البينةُ علي من ادَّعي واليمين علي من أنكر. والصلحُ جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلَّ حراماً أو حرم حلالاً. ولا يمنعك قضاءى قضيتَه بالأمس- فراجعت فيه عقلك. وهديت لرشدك- أن ترجع إلي الحق. فإن الحق قديمى ومراجعةُ الحقِّ خيرى من التمادي في الباطل. الفهْمَ الفَهْم. فيما تَلَجْلَجَ في صدركپپمما ليس في كتاب ولا سنة. ثم اعرِف الأشباهَ والأمثال. وقِسِ الأمورَ عند ذلك واعمِد إلي أشبهها بالحق. واجعل لمن ادَّعي حقاً غائباً أو بينةً أمداً ينتهي إليه. فإن أحضَرَ بينةً أخذتَ له بحقه. وإلا إستَحْللتَ عليه القضية فإنه أنفي للشك وأجلي لِلْعَمَي. المسلمون عُدول بعضُهُم علي بعض. إلا مَجْلُوداً في حدّي أو مجرَّباً عليه شهادةُ زور. أو ظَنِينْاً في ولاَءِ أو نسب. فإن الله تولّي منكم السرائرَ ودرَأَ بالأيمان والبيِّنات. وإياك والغَلقَ والضَّجرَ. والتأذَّي بالخصوم. والتنكُّرِ عند الخصومات. فإن الحقَ في مواطن الحق يُعْظِمُ الله به الأجر. ويحسنُ به الذُّخْر. فمن صحَّتْ نيتُه وأقبل علي نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس. ومن تخلَّقَ للناس لما يعلمُ الله أنه ليس من نفسه شانَهُ الله. فما ظنك بثوابِ الله عز وجل في عاجل رزقِهِ وخزائِنِ رحمتِه. والسلام¢. ومثلما كانت الشروط دقيقة في الاختيار.. كانت مسألة انهاء الولاية و العزل اشد صعوبة..وبقدر معلوم..پفيعزل القاضي من قبل الإمام أو نائبه إذا وجد الإمام من هو أفضل منه. أو ظهر عجزه وعدم كفاءته. أو أقر أنه حكم بجور متعمداً. أو ثبت عليه ذلك بالبينة.. فقد عزل الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شرحبيل بن حسنة من القضاء. فقال له : ¢ أعن سخطة عزلتني؟ قال : لا. ولكن وجدت من هو مثلك في الصلاح وأقوي منك في العمل. فقال: يا أمير المؤمنين إن عزلك عيب فأخبر الناس بعذري. ففعل عمر ذلك¢0 قال الإمام الماوردي : ¢للإمام عزل القاضي إذا رابه أمر. ويكفي فيه غلبة الظن بذلك¢.. وهناك دراسات علمية كثيرة في الجامعات المصرية و العربية نال بها اصحابها درجتي الماجستير والدكتوراة عنپتولية القضاة و حصانتهم و عزلهم في الفقه الاسلامي.. ومنه رسالة الباحثة رجاء بنت صالح باسودان و عنوانها :طرق انتهاء ولاية القاضي في الفقه الإسلامي.. ويمكن تلخيص او ايجاز عدد من الطرق التي يفقد القاضي بها ولايته للقضاء: ** بالعزل.. فيعزل إذا وجد من هو أفضل منه. أو ظهر عجزه وعدم كفاءته. أو أقرّ أنه حكم بجوز متعمداً. أو ثبت عليه بالبينة. أو إذا ارتشي. پاو بالفسق : فيعزل إذا ارتكب فعلاً من الأفعال المفسقة كشرب الخمر أو ارتكاب بعض الكبائر. او فقدان أهلية التكليف : كالجنون والسفه. وبالإضافة إلي العقل. فإنه لا بد أن يكون القاضي صحيح التمييز جيد الفطنة. بعيداً عن السهو والغفلة يتوصل بذكائه إلي إيضاح ما أشكل عليه وفصل ما أعضل. او بفقدان السمع أوالبصر أو النطق :پذهب الجمهور إلي أن القاضي إذا أصيب بالصمم أو العمي أو الخرس او بسبب المرض المعجز: فإذا أصيب القاضي بمرض أقعده عن الحركة والنهوض. وأعجزه عن القيام بعمله. ولم يرج شفاؤه فإنه يعزل لئلا تتعطل مصالح الناس. او بانتهاء مدة ولاية القاضي : وذلك إذا عيّنه الإمام مدة معينة. فإن ولايته تنتهي بانتهاء هذه المدة. أو انتهاء النظر في قضية محددة. او إذا عزل القاضي نفسه ووافقه الإمام علي ذلك. او بالمتپوذلك لأن الموت مبطل لأهلية التصرف. اوپتحول القاضي إلي أنثي أو خنثي: وهو قول جمهور الفقهاء. أما عند الحنفية فإن صلاحيته تبقي محدودة في الأموال والأبدان. او بوقوع القاضي في الأسر: وذلك لسقوط ولايته. فلم يعد حراً في إصدار أحكامه. **پمن أجمل ما أُثر عن عمربن الخطابپقوله وهو يتفحص احوال المتقدمين او المختارين لشئون القضاء : "اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة0".