لم أتعجل التعليق علي محاكمة القرن في نسختها الثانية... رغبة مني في رصد أكبر عدد من التعليقات والتحليلات... وللأسف... أعترف أنني قرأت وشاهدت خلال الأسبوع الماضي تحليلات وتعليقات رصينة وعميقة للعديد من الكتاب والمفكرين !! ولا أدري لماذا تداعت إلي ذاكرتي أحداث يوم الثالث من أغسطس 2011... تاريخ اول جلسة لمحاكمة القرن... وما أشبه الليلة بالبارحة !... ففي الجلسة الأولي أفضنا وأسهبنا في التعليق عن صبغة شعر الرئيس (المخلوع) ونبرة صوته وصحته... وحتي ساعة يده... وكيف أنه كان منشغلا بأنفه (تأدبا مني بالطبع ).... وفي الجلسة الأخيرة شُغلنا أكثر باشارات مبارك وابتسامته... وكأن كل مشاكل مصر قد حُلت ولم يتبق إلا ابتسامة مبارك وتلويحه للحضور! أتفهم تماما أن يتبني عامة الناس مواقف مختلفة من تلك المحاكمة وفقا لآرائهم وأهوائهم ودوافعهم... لكن حينما يتعلق الأمر بالنخبة والصفوة والإعلام الذي يشكل الرأي العام يكون الوضع مختلفا .... عَجِبتُ حين خصص مجلس الشوري الموقر جزءا كبيرا من جلسته الأخيرة لتلك القضايا الخطيرة المتعلقة بشعر مبارك... ونظارته... وساعة يده القيمة ... بل وتدخل رئيس المجلس ليشير إلي قيمة الساعة وأنها من الهدايا التي تلقاها الرئيس السابق ! والحقيقة أنني كنت، ومازلت، من هؤلاء الذين يتمنون أن تكون محاكمة الرئيس السابق طيُ لصفحة و بداية لصفحة جديدة... صفحة ننظر فيها للأمام... ونفكر كيف يمكننا النهوض بمصر من عثرتها لتأخذ مكانتها التي تستحق... كنت أتطلع إلي أن نتخلص من لغة التشفي والشماته ونعمل معاً بجد وإخلاص من أجل مستقبل مُشرق لنا ولأجيال قادمة من بعدنا ! كنت أتمني ، وما زلت، أن يقف المصريون وقفة صادقة مع النفس... وقفة نعترف فيها ولو لمرة واحدة أننا كمصريين مسئولون بطريقة أو بأخري عما وصل إليه حالنا وما آلت إليه أوضاعنا خلال السنوات الثلاثين السابقة علي الثورة... وقفة مصارحة نقيم فيها ما فعله كل منا ،أو بالأحري، ما لم يفعله كل منا !... أن يحاسب كل منا نفسه عن مسئوليته عما وصلنا إليه... أو ما لم تصل مصر إليه !! لكن، وبكل أسف، لازلنا مُصرين علي أن نعيش في الماضي .. مُصرين علي أن ننفض يدنا... وأن نلقي باللائمة علي النظام السابق في كل ما وصلنا إليه من تدهور و تردٍ وانفلات... ولا يمكن لعاقل أو مُنصف أن يغفل دور هذا النظام فيما آلت إليه الآوضاع . .. لكن... أكانوا وحدهم ؟!... أحياناً أشعر وكأنهم كانوا يحكمون شعباً غير الشعب... ويقودون أمة خلاف الأمة !... ولا أدري إلي متي سنظل نتحدث عن الفاسدين والمُفسدين..... وننسي أننا كنا هناك... حاضرين وشاهدين... راصدين ومتابعين .... بل وفي كثير من الأحيان مُشاركين و مُباركين !... إلي متي سنظل نُلقي باللائمة علي الآخرين ؟!... متي سنعترف أنه لا يصح أن نختزل الثورة في مُحاكمة رئيس.... أنه لا يصح أن تصبح تلك المحاكمة هي قمة المُنتهي ومعقد الرجاء .... أنه لايصح أن يُختزل الفساد في هؤلاء القابعين في طره... أننا ينبغي أن نعترف بأننا جميعا مُقصرون.... وأن نُقر بأن الفساد ضاربُ في الجذور ! لدي إعتقاد راسخ أن أصل كل فساد هو من الحاكم والمحكوم معا... فالحكومات البائدة لم تهبط علينا من السماء .... ولم يُلقها علينا طبقُ طائر قادم من كوكب سيار ... فلقد كانت الحكومات التي تعاقبت علينا تجسيدا حيا للمحكومين... يمثلونهم بعقيدتهم وحقيقتهم ! إنحيازي ليس لمبارك... ولا لشخص كائناً من كان .. فستظل مصر دائما عندي هي الأغلي والأبقي... لكن أرثي لحال بلدي إن كان هذا هو حال الصفوة والنخبة فيه! تذكرت هنا ما حدث مع الخليفة عثمان رضي الله عنه وأرضاه .... عندما سأله أحد الرعية "لماذا ظهرت الفتن في زمانك ولم تظهر في زمان أبي بكر أو زمان عمر... فكان رده رضي الله عنه " فأما أبو بكر فكان يحكم أمثال عمر ، وأما عمر فكان يحكم أمثالي ، وأما أنا فأحكم أمثالكم".. نعم .... كما تكونوا يولي عليكم... ليتنا ندرك أن أول خطوة للنهوض بهذا الوطن هي أن نعترف أن العيب فينا... ليتنا نتعظ ونعتبر... ليتنا ننظر للأمام من أجل وطن أعطانا الكثير... ويستحق الكثير ... وطن يستحق ما هو أفضل... بل أفضل كثيرا! حفظك الله يا مصر من كل سوء !