أحمد عباس كنا في الثامن عشر من فبراير الماضي وكانت السفيرة الأمريكية ميسز آن باترسون ضيفة علي أحد المؤتمرات الداعية لضرورة تنظيم البث الاعلامي المصري، أبدت باترسون خلال كلمتها مخاوفها من محاولات حاصلة تحدثت عنها بوضوح لقمع الصحافة وحريتها.. الكلام عظيم معالي السفيرة، وإليك الدليل.. في اليوم ذاته تلقيت دعوة كريمة من إحدي كبريات الكيانات الأمريكية العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، تدعوني فيها الشركة لتغطية أحد أهم مؤتمراتها التي ستعقد في ولاية أريزونا الجنوبية مايو القادم، وبعد معرفة موضوع المؤتمر قبلت الدعوة وزميلة فاضلة أخري لست في حل من ذكرها. السفر الي ولاياتكم البعيدة معالي السفيرة لعلك أدري بمشقته، ليس مبهرا للسعي للوصول اليه ولكن صعود وتفوق ستة طلاب مصريين للمنافسة بمشروعاتهم ضمن وفود أكثر من 60 دولة هو المبهر، هو فقط ما يستحق الطيران لأكثر من 14 ساعة متواصلة. ولن أطيل عليكم.. بعد قبول الدعوة توجهت لسفارة دولتكم المحاصرة بحي جاردن سيتي القديم الذي يتجاوز عمره عمر كل ولاياتكم المتحدة، تجاوزت أسلاكا شائكة، قوات وسدودا، كاميرات معلقة في كل مكان، وصلت قدماي أخيرا الي عتبة الأرض الأمريكية بنص القانون الدولي. الطابور صامت خاشع كأنه يستعد لتأدية مراسم دينية مقدسة، الجميع يلزم التعليمات، عامل السفارة يتفقد الوقوف، يسأل كل منهم عن موعد المقابلة الشخصية المحدد له سلفا، ويعود لقائمته ينقحها بعلامة تفيد حضور المذكور، اجراءات عبور البوابة الداخلية فائقة التأمين تنم عن قلق دولة السفارة من استقبال أجانب. اجراءات الاستقبال أيضا منظمة للغاية داخل السفارة، العاملون خلف سواترهم الزجاجية، تبدو مصفحة أو عازلة لأي عدوان لن يحدث مع هذا الحجم من التأمين، وأرقام الشاشات العلوية تعلن بين الحين والآخر امكانية استقبال أسماء جديدة لطالبي التأشيرة لأي ولاية كل حسب وجهته. الشاشة تعلن رقمي 42 تعلمني بالتوجه لشباك رقم 11 بعد تحية صباحية فاترة عابسة من ممثل القنصل، تصل الأسئلة عبر ساتره، يسألني: المرة الأولي للولايات المتحدة؟ * نعم. سبب الزيارة؟ * تغطية مؤتمر صحفي عالمي لشركة انتل للتكنولوجيا بدعوة من الشركة وصلتكم نسخة منها. طبيعة العمل؟ * صحفي مصري كما هو مقيد في جواز سفري بين يديك. أسفين .. مرفوض وإمعانا في الشفافية ناولني ورقة مطبوعة قال لي إن بها أسباب رفض سفري. الصيغة ودودة تبدأ ب"عزيزي مقدم الطلب".. نأسف لاخطارك أنك غير مؤهل للحصول علي تأشيرة السفر طبقا للبند 214B من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، خاصة أنك لم تستطع اقناع ممثل القنصل بغرض الزيارة، وأنني فشلت في اثبات أن لدي روابط مهنية ووظيفية وتعليمية وعائلية واجتماعية تحتم علي العودة مرة أخري، وذيل الخطاب بأنه ليس من حقي الطعن علي هذا القرار لكن يمكنني اعادة التقدم بطلب آخرفي وقت لاحق! عفوا أنا لا أعتب علي القانون الأمريكي الذي تحفظ علي سفر صحفي مصري لفترة لا تتجاوز أياما، لكن وجه تعجبي مسيز باترسون هو حديث دولتكم عن المخاوف من تقييد حرية الصحافة.. أليس هذا تقييداً مسيز باترسون؟! مسيز باترسون: الحلم ب"الأميريكان هيفين" أو الجنة الأمريكية قديم، أدركت الشعوب العربية زيفه وضحالته، والأمل المصري في طلاب مصر الستة الذين سيعرضون مشروعاتهم علي أرضكم هو الآتي، هو الباقي. ذلك اذا لم يتعذر عليهم اقناع جناب ممثل القنصل بسبب الزيارة!!