د. شريف أبو النجا: »الجودة.. والگرم« منهجنا في علاج السرطان وانا في طريقي لمستشفي سرطان الاطفال 57357 عادت بي الذاكرة الي عام 1999 حينما توجهت لنفس المكان لتسليم الشيك الاول من مؤسسة مصطفي وعلي امين بقيمة نصف مليون جنيه، كان المكان وقتها لايزال مجرد ارض فضاء، وكان حلم المستشفي يشرحه لنا د. شريف ابو النجا صاحب فكرة هذا الحلم، ويجسده مجموعة كبيرة من اطفال المدارس يملأون المكان وفي يدهم ادوات الرسم والالوان يجسدون بها احلامهم للمستشفي علي السور المحيط بالارض. وقتها وقفت معهم ارسم واشاركهم الاحلام، كنا ومعنا جميع المصريين نحلم بمستشفي عالمي، مستشفي يقدم علاجا علي أعلي مستوي مجانا لجميع الاطفال دون تفرقة، وينجح في تغيير الصورة المفزعة لمرض السرطان كمرض ميئوس منه لا تتجاوز نسب شفائه 10٪، ويرتقي بنا لمستوي الدول المتقدمة التي نجحت في مكافحة هذا المرض بنسب تصل الي 85٪.. وقد اعدت الدراسات ان هناك 10 آلاف مريض جديد سنويا .. ران التدخين وسوء التغذية أهم الاسباب . علي مدي سنوات طويلة وقف المصريون جميعا فقراء واغنياء وراء هذا الحلم حتي تحول الي حقيقة، وتحولت الارض الفضاء الي مستشفي عالمي يستقبل آلاف الاطفال سنويا من جميع محافظات مصر، ويضم أحدث الاجهزة العالمية، ويقدم العلاج مجانا تماما لجميع الاطفال، وتصل نسب الشفاء به الآن لأكثر من 70٪، وفي بعض أنواع السرطان تصل النسبة الي 95٪، مستشفي يضم مركزا علي اعلي مستوي للبحث العلمي، يبحث في أسباب انتشار السرطان واساليب حديثة للعلاج، وتأخذ ابحاثه العلمية طريقها للمجلات العالمية ويفوز باحثوه المصريون بجوائز عربية ودولية، مستشفي يتحدث عنه العالم كله ويتم اختياره كأفضل انجاز مصري وعربي في مجال الرعاية الصحية، وهو ما جسدته الثلاث جوائز المحلية والعربية والدولية التي فاز بها المستشفي خلال الستة شهور الاخيرة . كل هذا الانجاز كان وراء استمرار دعم المصريين لهذا الصرح، وكان ايضا وراء مبادرة مؤسسة مصطفي وعلي امين باستمرار دعمها للمستشفي في صورة مليون ونصف المليون جنيه تخصص لتطوير بنك الدم وشراء احدث الاجهزة، ليصل بذلك اجمالي تبرعات المؤسسة للمستشفي مليونان ونصف مليون منذ بدء انشائها وحتي الآن . هزموا المرض في مدخل المستشفي جذبني المشهد.. مجموعة كبيرة من الشباب والشابات، اعمارهم اكبر قليلا من اعمار الاطفال مرضي المستشفي. قال لي احمد عبد المنعم مسئول العلاقات العامة بالمستشفي: اقتربت منهم وتحدثت معهم، وكانت المفاجأة.. هؤلاء الشباب الصغير كانوا في يوم ما اطفالا مرضي بالمستشفي وحينما كتب الله لهم الشفاء اصروا علي تكوين رابطة تجمعهم فيها خبرة الرحلة التي عاشوها من الالم والمرض حتي الشفاء والعودة الي حياتهم الطبيعية، بكل ما تحمله الرحلة من مراحل المعاناة والامل ثم فرحة الشفاء. هؤلاء الشباب كونوا برعاية قسم الطب النفسي والخدمة الاجتماعية جروب اطلقوا عليه جروب 57357 ، واصبحوا يلتقون اسبوعيا بالمستشفي مع مستر تامر والدكتور احمد الشامي، يتبادلون الحكايات والتجارب، وتنظم لهم المستشفي رحلات دورية، كما يقومون بدور كبير في مساعدة الاطفال المرضي علي تجاوز المراحل الصعبة في العلاج من خلال زيارتهم في حجراتهم وتشجيعهم ودعمهم ودعم اسرهم بالامل والتفاؤل. حينما تحدثت معهم شعرت بهم يسبقون سنهم، التجربة اضافت اليهم حكمة كبيرة تجعلك تستمتع بالحديث معهم. قال لي حسين علواني من الفيوم: تجربتي مع المرض جعلتني اكثر قوة في التعامل مع اي مشكلة، وجعلتني اكثر خبرة في التعامل في الحياة، فبعد ان خسرت اصدقاء مزيفين تخلوا عني وقت مرضي، كسبت في المقابل مئات الاصدقاء الجدد المخلصين سواء من اعضاء هذه الرابطة او من اطباء المستشفي والطب النفسي والاخصائيين الاجتماعيين والتمريض وجميع العاملين، الذين اصبحوا عائلتي الحقيقية وانا أجئ اسبوعيا من الفيوم للمستشفي لأقابل هؤلاء الاصدقاء. وتقول زينب ناصر من القاهرة : رغم شفائي انا وجميع اعضاء الرابطة الا اننا حريصون علي علاقتنا بالمستشفي ونعتبر هذا المكان هو جنتنا التي نعشقها، لأننا عشنا هنا فترة طويلة كان الجميع يعاملوننا بكل الحب والرحمة، ويمنحوننا التشجيع والامل ويوفرون لنا كل وسائل الراحة النفسية، ونحاول الآن ان نرد الجميل ونقدم المساعدة للاطفال، فحينما نزور الاطفال المرضي ويعرفون اننا كنا مرضي مثلهم وكتب الله لنا الشفاء يشعرون بالامل والسعادة هم واسرهم. رابطة 57357 لمساعدة المرضي الجدد ويقول محمود محمد انور من قنا وريهام رضا من القاهرة: كل امنيتنا الآن ان يصبح في كل محافظة في مصر مستشفي مثل 57357 حتي يتلقي جميع الاطفال المرضي نفس الرعاية التي تلقيناها ويكتب لهم الله الشفاء مثلنا. ففي بداية اصابتنا بالمرض شعرنا بالخوف الشديد لكن جميع العاملين هنا ساعدونا بالاضافة طبعا لإمكانيات العلاج الرائعة التي تقدم مجانا للجميع، والآن نستعيد التجربة ونشعر اننا استفدنا منها كثيرا. ونشعر ان شخصيتنا تغيرت للأفضل لأننا اصبحنا نشعر بآلام الغير. ويقول عمر محمد رجب من الجيزة : قبل مرضي كنت أمارس رياضة الكاراتيه، وبعد المرض لم استطع الاستمرار، وشعرت انها نهاية العالم، لكن هنا في المستشفي ساعدوني علي تجاوز المحنة وشجعوني علي القراءة كهواية جديدة بدلا من الكاراتيه، وبدأت حب القراءة من خلال مكتبة المستشفي حتي اصبحت القراءة هي متعتي الوحيدة طوال فترة مرضي، وحتي بعد شفائي اصبحت اعشق القراءة وسعيد جدا بهذه الهواية. ويقول احمد بركات وحسين احمد : قسم المتطوعين من اجمل الاقسام في هذا المستشفي، لأن هؤلاء المتطوعين ساعدونا كثيرا بالترفيه واللعب معنا وخاصة في الفترة الاولي التي تعد اصعب فترة، والآن احاول انا وزملائي في جروب 57357 ان نقوم بنفس الدور مع المرضي الجدد. واتمني ايضا ان يظل المتبرعون يقفون خلف هذا المستشفي لأنه ليس مستشفي حكوميا ولا استثماريا لكنه يعيش علي أموال التبرعات فقط. ابتسامة بريئة علي وجه طفل مريض ..ونظرة ترقب من طفل آخر محمد يحلم وتركت الناجين من المرض اعضاء جروب 57357، والتقيت علي سرير المرض بالطفل "محمد" من الفيوم..عمره 10 سنوات مصاب بلوكيميا ليمفاوية حادة في الدم وهو خاضع للعلاج منذ ما يقرب العام الآن وهو الآن في آخر مراحل العلاج وحالته مستقرة وفي تحسن مستمر. ويقول والد محمد "عامل": عندما جاء محمد هنا في بداية مرضه كنت في منتهي اليأس والحزن علي محمد ولكن الاهتمام جعلني أشعر باطمئنان كبير والحمد لله محمد بدأ يتحسن وادعو الله ان يتم شفاؤه وأشوفه بيجري ويلعب زي الاول وييجي يوم وأفرح بيه لما يكبر ويتخرج من الجامعه، ويتجوز كمان". ويقول محمد: اكتر حاجة بحبها في المستشفي الدكتور عماد والحفلات والاغاني وركن الالعاب والكمبيوتر، والأكل في المستشفي وخصوصا الفراخ والمسقعة، وسكت قليلا ثم قال: نفسي اخف بسرعة علشان أرجع ألعب مع أصحابي في المدرسة زي الاول. مدرسة المستشفي وفي احدي الغرف كان الاطفال المرضي يتلقون بعض الدروس المدرسية، فقال لي احمد عبد المنعم: هذه هي مدرسة المستشفي، وقد تم اقامتها حرصا علي مستقبل الاطفال، ففترة علاج السرطان تستغرق من عامين الي ثلاثة اعوام ولذلك تم انشاء مدرسة داخل المستشفي يعمل بها مدرسون متطوعون للتدريس للاطفال وتعويضهم فترة الغياب عن المدرسة حتي لا يتأخروا عن زملائهم، ويتم عقد امتحانات الطلاب ايضا داخل المدرسة، وهي تعد أول مدرسة تقام داخل مستشفي علي مستوي منطقة شمال أفريقيا. البحث العلمي وفي قسم البحث العلمي أكدت د. سميرة عزت والدكتورة شاهندة النجار ان البحث العلمي يعمل الآن بجانب الاطباء ويكمل دورهم في الاسراع بالشفاء ونحاول من خلال البحث العلمي اكتشاف كل جديد في انواع العلاجات المقدمة للمرضي، واصبح لدينا الآن ابحاث علمية تشارك في المؤتمرات الدولية بأسماء باحثينا كما نتبادل الخبرات مع اكبر مراكز السرطان في الدول المتقدمة، ويساعدنا علي ذلك وجود معامل مجهزة تسمح لنا بالعمل في كل انواع البحث العلمي ولكننا مازلنا نحتاج مزيدا من الدعم للبحث العلمي بالمستشفي لأن الأبحاث والدراسات والتجارب المعملية التي نقوم بها تركز علي المريض وعلي ايجاد افضل طرق العلاج والتقليل من الاثار الجانبية للادوية المستخدمة مما يساهم في زيادة نسب شفاء الاطفال المرضي. ومن بين الاطباء الذين شاركوا بأبحاث قدمت اسهامات مهمة علي المجال الدولي ابحاث للاطباء د. هالة طه ومديحة محمود ومنال زمزم واحمد الغنيمي وغيرهم كثيرون . ونجاح مستشفي 57357 امتد ايضا الي الدول العربية الشقيقة كما تقول د. هناء فريد مدير تنمية الموارد بالمستشفي حيث بدأت العديد من الدول العربية تسعي للاستفادة من تجربتنا في انشاء مراكز او مستشفيات مماثلة مثل مستشفي 99199 بالسودان، ومراكز اخري بالامارات والمغرب . الكرم في العلاج ولكن ما سر انتشار مرض السرطان بين الاطفال في مصر: يقول د. شريف أبو النجا مدير المستشفي للبحوث والتطوير أن المرض انتشر بالفعل فهناك عشرة آلاف طفل جديد يصاب بالمرض سنويا وان أهم الأسباب هي التلوث والتدخين والتغذية غير الصحية واسأله: ما سر نجاح مستشفي 57357 يقول د. شريف ابو النجا مدير المستشفي للبحوث والتطوير: الفلسفة التي نعمل بها هنا تعتمد علي مجموعة عوامل اساسية اولها اننا نعتمد علي العلاج المجاني بالكامل لأن تكاليف مرض مثل السرطان يمكن ان تؤدي الي "اذلال" للمريض واهله لأن معظم المصريين طبقات بسيطة ، وحينما اقترح البعض ان يدفع الاغنياء مقابل العلاج، قلنا اننا لن نطلب شهادة فقر من كل مريض، كما ان وجود قسم "بفلوس"، وآخر مجاني سيؤثر علي تحقيق العدالة في الخدمات المقدمة، الحقيقة ان معظم المصريين طبقات بسيطة، 62٪ من مرضانا من الاقاليم، و32٪ يقدم لهم المستشفي مبالغ شهرية للانتقالات، ثانيا: حرصنا ان يوفر المستشفي جميع التخصصات العلاجية التي يحتاجها المريض لتخفيف العبء عنه واسرته ، ثالثا : نحرص هنا علي توفير احدث الاجهزة وافضل الادوية وأجود الخدمات، لأن نجاح العلاج وتحقيق الشفاء من الامراض الصعبة يتطلب قدرا كبيرا من الكرم خاصة ان المرض بالفعل انتشر في السنوات الاخيرة. رابعا: نحرص علي راحة العاملين حتي يقدموا افضل ما لديهم وحتي يتفرغوا تماما، خامسا: نحرص علي التدريب والتعليم كمحور اساسي من محاور اداء المستشفي، لان بدونه لن يوجد تطوير ، فجميع العاملين يتلقون دورات تدريبية مستمرة حتي عامل الاسانسير بياخد دورات تدريبية في كيفية استقبال المرضي واسرهم والتعامل معهم. ملحق جديد للمستشفي يضم 003 سرير لإنهاء قوائم الانتظار ومن اهم المحاور التي يقوم عليها المستشفي ايضا الحرص علي التعاون وتبادل الخبرات مع المستشفيات والمراكز العالمية، ومن الانجازات البارزة في هذا المجال تأسيس برنامج شهادة الزمالة المشتركة بين المستشفي وجامعة هارفارد التي تتيح للأطباء الحاصلين علي الماجستير في مجال أورام الأطفال الحصول علي شهادة زمالة معتمدة جزئيا من جامعة هارفارد. قوائم الانتظار واسأل د. شريف : متي تنتهي مشكلة قوائم الانتظار بالمستشفي وعدم قبول بعض المرضي لعدم وجود اماكن خالية ؟ حل هذه المشكلة هو اكثر ما يشغلنا الآن، لأن اعداد المرضي تتزايد بينما الطاقة الاستيعابية للمستشفي محدودة، ولذلك يجري العمل الآن علي قدم وساق للانتهاء من المشروعات التوسعية الجديدة واهمها: اضافة 60 سريرا جديدا داخل المستشفي وهو مشروع سننتهي منه قريبا جدا، والمشروع الاكبر هو انشاء الملحق الجديد الذي سيضم 300 سرير جديد واقسام اخري اكبر واكثر تطورا، بالاضافة لفرع المستشفي بطنطا، وانشاء دار ضيافة لاستضافة مرضي الاقاليم الذين يترددون علي العيادات الخارجية، وانشاء اكاديمية للتدريب وتخريج الكوادر المختلفة للعاملين في مجال سرطان الاطفال وكل هذه المشروعات تقوم بدعم اموال التبرعات والصدقة الجارية والوقف الخيري وهي الاموال التي قام عليها المستشفي ووصل بها لهذه المكانة العالمية التي يفخر بها كل مصري والحمد لله. مؤسسة مصطفي أمين وأخيرا.. ماذا يضيف تبرع مؤسسة مصطفي وعلي أمين للمستشفي؟ د. شريف: نشكر المؤسسة علي دعمها الدائم للمستشفي وهذا ليس غريبا علي شخص مصطفي أمين رائد الصحافة المصرية وتلاميذه، والتبرع الجديد سيوجه لتطوير بنك الدم وشراء أجهزة جديدة تعد أحدث ما توصل له العالم في هذا المجال في اطار حرصنا علي الالتزام بأقصي درجات الجودة مع مواكبة كل جديد في العالم. بفضل المتبرعين من أهل الخير من داخل مصر ومن خارجها أيضا.