دخل المجتمع المصري في دائرة مفجعة ومفزعة ووحشية. نشرت الصحف في 18 مارس 2013 مشهدا مروعا وبالصورة لسحل وقتل "بلطجيين" اختطفا طفلين في قرية محلة زياد ، سمنود، الغربية. هذا المشهد ليس الأول من نوعه فقد سبقه حرق مواطن حتي الموت وبثت مشاهد الحرق والمواطنين من حوله يشاهدون تحلل جسده في برنامج "ممنوع السكوت" علي القناة الأولي منذ أيام. ما الذي يحدث في الوطن؟ أغياب العدالة والقانون حول الوطن إلي سلوك أقل ما يوصف به بأنه وحشي لتطبيق قانون الغاب؟ ماذا حدث لك يا مصر؟ وقبل التحول الي "مصر الرقي" من هذه الصور وبشاعتها فما كان من الممكن ان نعرف التحول المجتمعي المتوحش بغير هذه الصور وهي تجعل من جانب من المجتمع وحشا كاسرا لا رحمة له. هي تؤذي العين والروح معاً وتجعل القارئ يضع الصحيفة جانبا حتي لا يشاهدها مرة أخري إلا أنها تعكس الحقيقة المرة وهي أن جزءاً من الوطن فقد الرحمة. ولكن في المقابل فهناك مصر أخري مازالت تتمسك بأخلاق ورقي وهي تنعكس في عمل المنظمات غير الحكومية وعلي رأسها الاتحاد النوعي لنساء مصر بقيادة رائدة العمل النسائي في مصر والعالم العربي الدكتورة هدي بدران. تجلي هذا الرقي في ندوة عقدت بنادي الجزيرة أدارها القدير والوزير السابق ورئيس اللجنة الثقافية بالنادي المستشار عادل عبد الباقي وكانت بمناسبة يوم المرأة المصرية الذي يسبق عيد الأم بخمسة أيام، والذي شهد ما هو سلبي وما هو إيجابي، ففي الجانب السلبي شهد أول صفعة علنية عدائية لناشطة مصرية في أحداث المقطم الأولي، وفي الجانب الإيجابي شهد ميلاد إعلان الأممالمتحدة لمكافحة العنف ضد المرأة. اين تجلي الرقي؟ تجلي الرقي في هذه الندوة في قبول الآخر لأنها تميزت بآراء مختلفة متباينة منها رؤية جبهة الانقاذ كما طرحها الوزير السابق وأمينها العام ونائب رئيس حزب الدستور الدكتور احمد البرعي، والمناضلة ليلي البنان نائب رئيس الاتحاد النوعي التي تحدثت عن دور الاتحاد الذي تأسس بعد ثورة 25 يناير، والكاتبة إقبال بركة التي تحدثت باسم جموع المجتمع المستنير، والدكتور محمد الجوادي المؤرخ والمفكر السياسي. وكانت هناك مناقشات ساخنة بين طرفي المجتمع إلي الحد الذي هدد فيه طرف بالانسحاب من الندوة. ووقف الأغلبية الساحقة من الحاضرين ضد طرح الدكتور الجوادي لما أكده من مساهمة تيار الإسلام السياسي في النهوض بالمرأة المصرية. فقد أنصف الدكتور الجوادي استناداً إلي التاريخ بالحديث عن دور الإخوان المسلمين في تدعيم المرأة قائلا إن هذا الفصيل كان له دور كبير في اعتماد المرأة علي نفسها لحرمان الرجل من الحرية وهو يعاني من عشرات السنين في السجن فكانت في غيابه دينامو الأسرة. وأن نهضة التعليم النسائي في الاقاليم والمجتمعات الفقيرة كانت تدين لهذا الفصيل بالكثير لقيام مؤسس الإخوان المسلمين الامام حسن البنا بالاهتمام بتعليم البنات منذ بداية الحركة في الإسماعيلية، ثم انتقل هذا النهج إلي القاهرة وانتشر بعد ذلك في بقية المحافظات مع انتشار الدعوة. وقامت الدنيا ولم تقعد بين الحضور لما قدمه الدكتور الجوادي من خلفية تاريخية عن علاقة الإخوان الإيجابية بالمرأة. وعارض كل الحضور سرد الدكتور الجوادي ولكن للإنصاف فان المؤرخ والمفكر السياسي لم يتراجع عن موقفه والحقائق التاريخية التي سردها بل ذهب ابعد من ذلك مطالبا الحضور بعدم مواجهة الفصيل الوسطي في التيار الإسلامي أي الإخوان المسلمين بالرفض قائلاً إن هذا الموقف يدفع بالفصيل الاخوان المسلمين- الي الارتماء في اتجاهات الاسلام السياسي التي تميل الي التطرف وهو ما ينبغي تجنبه والتحذير منه. واعرب البعض عن قناعته بهذا الطرح الاخير.. ورد الدكتور أحمد البرعي علي الدكتور الجوادي بقوله إن الفصيل الذي تتحدث عنه تاريخياً ليس هو الفصيل القائم حالياً وأن البلاد تتجه نحو منحدر خطير فلن يكون هناك قمح بعد شهرين وسوف يتبخر النقد الأجنبي أي الاحتياطي النقدي في أقل من ثلاثة أشهر، وكل ذلك في ظل إدارة الفصيل الذي تجمله. ونددت الكاتبة إقبال بركة باستخدام جسد المرأة كسلاح لترهيبها وإبعادها عن المشاركة والإدلاء برأيها واصفة ظاهرة التحرش بأنها وصلت إلي حد مرعب، واضافت أن هذا التحرش ممنهج والمقصود به إهانة المرأة. وأوضحت أن ثورة 25 يناير هي قمة عمل المرأة في السياسة وأن ثورة يناير 2011 قامت بعمل عظيم للغاية وهو كسر حاجز الخوف عند الجميع. ومن المفيد الإشارة الي ان دعوة الاتحاد النوعي لنساء مصر لمثل هذه الندوات مسلك مستنير يفتح الباب أمام الحوار وتدعيم الوسطية في وطن لم يعد فقط منقسما سياسيا بل اصبح منقسما بين مصر المتوحشة ومصر الراقية.