بعد إندلاع ثورة الشعب المصري المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية ، والتي شاركت النساء المصريات في كل مجرياتها - ولا زالت - مساهمة في مسار التحول الديمقراطي ، مما يفترض تعزيز فرصهن في الترشح والفوز بإنتخابات مجلس الشعب القادم ، إلا أن رصد الواقع ينبئ بعكس ذلك تماماً ، في ظل نشاط الدعوة المعادية لحقوق النساء ، بإعتبارها من مخلفات النظام السابق ، وتصاعد التيارات الدينية التي تمثل تحدياً جدياً في مواجهة النساء وجميع القوي السياسية المدنية . في هذا السياق نظم "ملتقي تنمية المرأة" في إطار نشاطه بشبكة المنظمات العاملة في مجال حقوق المرأة مائدة مستديرة حول ( النساء وإنتخابات مجلس الشعب القادم ) يوم الأربعاء الماضي، بهدف إثارة النقاش حول تعزيز فرص عضوية النساء بمجلس الشعب القادم . بدأت ورقة "د. نيفين مسعد" - الأستاذة بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية - حول ( تحليل الموقف السياسي في مصر وتأثيره علي مشاركة النساء في الانتخابات القادمة ) ، بمقارنة موضوعية بين واقع الأحزاب السياسية الضعيفة والقوي الوليدة لائتلافات ما بعد الثورة ، والتي لم يعلن بعضها عن نفسه كحزب سياسي ، في مقابل جماعة "الإخوان المسلمين" التي ظلت تحتشد علي مدار 80 عاماً ، وتمتلك الخبرة التاريخية الطويلة في مجال العمل السياسي . ويتحالف حزب "الإخوان المسلمين" في لحظات الضرورة ، وباعتباره الفصيل الإسلامي أو الحزب الديني الأرشد سياسياً ، والقوة الوحيدة المنظمة التي تسعي لفرض هيمنتها علي الساحة السياسية ، مع كل أشكال الجماعات الإسلامية والسلفية وجميع القوي المحافظة ، حديثة الظهور علي الساحة السياسية ، في محاولة لتشكيل المشهد النسائي وفقاً لأفكارها ورؤيتها الدينية . وأكدت علي قتامة المشهد الإعلامي المتخم بالرموز الدينية ، وإستدعاء الفكر الديني في كل الأمور السياسية ، الذي يمثل سلاحاً خطيراً مشهراً ، يؤجج الصراع بين القوتين الإسلامية والمدنية . كما برزت العديد من التحديات التي تواجه زيادة فرص نسبة تمثيل النساء في البرلمان المصري ، منها : إنتشار البلطجة ، وتراجع دور المرأة ، وغياب مبدأ النزاهة والشفافية في مصادر التمويل ، وقانون الإنتخابات الذي إستقر علي المناصفة بين القائمة النسبية والمعقد الفردي . وتحدث "أ. حسين عبد الرازق" - الكاتب الصحفي - عن رفض أعضاء اللجنة المنبثقة عن "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" ، المكون من 28 حزباً سياسياً ، مقترح حزب التجمع حول ( نظام تخصيص نسبة من مقاعد البرلمان للمرأة "الكوتة" ) ، كوسيلة للقفز فوق المعوقات الحقيقية ، العلني منها والمخفي ، ولتحقيق مبدأ "تكافؤ النتائج" ، وهو مفهوم المساواة الأكثر تطوراً في العقد الأخير ، الذي يقوم علي أساس عدم كفاية إسقاط الحواجز الرسمية ، في ظل معوقات واقعية وعملية مركبة ، وذات أبعاد إجتماعية واقتصادية وثقافية . وهي فكرة "التمييز الإيجابي" للطبقات والفئات الضعيفة ، وفي مقدمتها النساء ، والتي يتبناها "الفقه الدستوري" ، تعويضاً لهن عن معانتهن التاريخية من كل أشكال التمييز ، وحتي الآن ، خاصة في المجال السياسي ، وإجراء يهدف إلي تحول "تكافؤ الفرص" من مبدأ إلي واقع ، في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة الأدني من واقع الرجل . وقد شهد العالم زيادة متصاعدة في عدد الدول التي تأخذ بنظام تخصيص نسبة من المقاعد في البرلمان للمرأة ، ويبلغ عددها اليوم 81 دولة منها : فرنسا والأرجنتين وبلجيكا والبرازيل والمكسيك وإيطاليا والسويد وألمانيا وبريطانيا وأسبانيا والنمسا وسويسرا وأستراليا والجزائر وتونس والمغرب . ورغم حصول المرأة المصرية في دستور 1956 علي حق الانتخاب والترشيح ، متقدمة في ذلك علي دول ديمقراطية عريقة ، ودخول ( راوية عطية ، أمينة شكري ) البرلمان في 14 يوليو 1957 ، إلا أن تمثيل المرأة في البرلمان ظل هامشياً ومحدوداً . وتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة ضئيل للغاية ، حيث تتراوح في مجالس الشعب بين 0.6% و 2.2 % فقط ، أما الإنتخابات المحلية التي جرت في 7 أبريل 1997 ، لم يتجاوز عدد المرشحات نسبة تقل عن 1% . وأكدت "أ. فريدة النقاش" في ورقتها حول ( دور الأحزاب السياسية في دعم مشاركة النساء ) : أن تغلغل الثقافة الذكورية في المجتمع المصري ، المستندة علي فكرة تقسيم الأدوار ، تمثل قيداً كبيراً علي ممارسة المرأة الحياة العامة ، والسياسية بشكل خاص ، علاوة علي سياسة الإفقار ، التي أفرزتها الليبرالية الجديدة طيلة 30 عاما الماضية ، في ظل نظام الخصخصة ، وإنسحاب الدولة من جميع مسئولياتها ، والإنكماش الإقتصادي ، والسوق الحر ، وقيادة القطاع الخاص للتنمية . وتشير الإحصاءات إلي أن نصف المصريين يعيشون الآن تحت خط الفقر ، وتتفشي بينهم البطالة علي نطاق واسع ، والأكثر فقراً هن النساء ، حيث نسبة30% من الأسر المصرية تعولها النساء ، ومن بين كل 4 عاطلين يوجد 3 نساء ، كما تصادر قوانين الأحوال الشخصية بعض حقوق المرأة المدنية ، إذ تعطي للزوج سلطة معنوية وقانونية ، تمنع المرأة من ممارسة العمل السياسي ، ومن الترشيح والإنتخاب . وأضافت أن المقاومة المجتمعية لمشاركة المرأة في الإنتخابات العامة ، مع زيادة نفوذ جماعات الإسلام السياسي بأشكالها المختلفة ، التي تمارس تأثيراً واسعاً علي النساء وعلي المجتمع كله ، وتلعب دوراً محورياً في تشكيل الثقافة المجتمعية بإسم الدين كما تراه ، والتي تدعو بعضها لإقامة دولة دينية ، وتري أن المرأة عورة ، ويجب مراقبتها ، وإخفاؤها في البيت وهذه النظرة هي الوجه الآخر للمرأة والسلعة التي روجت لها الرأسمالية الطفيلية تشكل تحديات بالغة الخطورة ، تعوق تطور حركة النساء المصريات ، وتجعل مشاركتهن ، مرشحات وناخبات ، عملية بالغة التعقيد ، تحتاج بقوة إلي ما يسمي بالتدابير المؤقتة ، أو التمييز الإيجابي . وأثار المشاركون عدة قضايا أهمها : من هن النساء اللواتي سيخضن الإنتخابات البرلمانية القادمة في ظل تيارات الإسلام السياسي ، وما رؤيتهن ، وما شكلهن ؟!! ، وغياب النساء من مشهد تشكيل الوزارة الجديدة، والتراجع الكبير في نشاط الجمعيات الأهلية ، والتهميش غير العادي لدور المرأة ، والثورة المضادة المتمثلة في وجود عدوانية تلقائية تجاه الثورة المصرية نظراً لغياب الإستقرار ، وغياب قضايا النساء في أجندة عمل أغلب الأحزاب السياسية القديمة والجديدة ، وخطورة الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في الإنحياز لقضايا المرأة ، وإسهام المرأة في العمل الحزبي الذي مازال محدوداً للغاية . وكانت أهم التوصيات في الجلسة الختامية : توحيد صفوف قوي التيارات المدنية المستنيرة في مواجهة وحدة قوي الجماعات الدينية المحافظة المعادية للمرأة . زيادة قدرة المرأة علي المناورة واختراق الحواجز الصعبة التي تضعها التيارات الدينية عائقاً أمام تقدمها . تطبيق قوانين الشفافية والنزاهة علي مصادر تمويل كل الجمعيات الأهلية ، بما فيها الجمعيات الدينية . الدعوة إلي خوض أكبر عدد ممكن من النساء في الانتخابات القادمة ، من أجل تبني قضايا الوطن وقضايا النساء معاً . تدشين "حركة نسائية" موحدة وضاغطة ، معبرة عن الأحزاب السياسية ، بأجندة تتعامل مع كل قضايا النساء . إبقاء مشروع قانون الإنتخابات البرلمانية علي القائمة النسبية المغلقة غير المشروطة ، بحيث يمثل 30% علي الأقل لكل من الجنسين في الانتخابات التشريعية والمحلية . توافق الأحزاب السياسية علي "ميثاق شرف" يضع النساء علي رأس أولويتها . بناء حركة مجتمعية قوية شعارها أن المجتمع لن يتقدم إلا بتقدم النساء والرجال . يقدم ممثلو منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية رسالة تعبر عن مطالب جميع النساء المصريات إلي أعضاء المجلس العسكري . مشاركة وفد من النساء في إجتماع مؤتمر الأحزاب السياسية يوم 7 أغسطس في مقر حزب الوفد .