فرج أبوالعز .. ولأن جهاز التليفزيون كان ثروة في ذلك الوقت عينت له الإدارة موظفاً متخصصاً لفتحه وإغلاقه.. اسمه عبدالشافي منذ نعومة أظافري وقبل أن أعرف الخرائط والتضاريس وأنا أتشوق لسيناء تلك البقعة الغالية من أرض الوطن.. تلك البقعة كانت أول معرفتي بالفراق والألم ممثلاً في شقيقي الأكبر الذي جاء يودعنا ذاهباً الي نزهة كما وصفها له ولنا قيادات نظام عبدالناصر انها حرب 7691 التي طرنا خلالها في الهواء فرحا وتهديلا ببيانات أحمد سعيد الشهيرة.. وأفاقت مصر بعدها علي هزيمة منكرة أسموها »نكسة«.. ذهب شقيقي ولم يعد.. اعتبروه مفقوداً ثم تحول علي الورق الي شهيد لذا لا تكاد تطأ قدماي أرض سيناء إلا وتاهت نظراتي يميناً ويساراً جنوباً وشمالاً أبحث عن شيء ما.. أتخيل أنني سأراه وأجده حياً يرزق.. أحياناً أرسم ملامحه مع اعتبار ما فات من سنوات ثم تغلبني الدموع حزناً علي هذا الجزء العزيز الغالي الذي روت رماله دماء شهدائنا الزكية فأجدها علي مرمي البصر دون حياة لا تعمير ولا زراعة إلا ما ندر.. نتحدث باستمرار عن استثمار كنوزه بل ونتغني بها لكن لا شيء علي أرض الواقع.. أخيراً قرروا إنشاء هيئة لتنمية سيناء لكنها لم تفعل شيئاً بعد.. أهملناها فنبتت بها الأشواك وكبرت فيها الخفافيش لتهدد أمن الوطن.. والسؤال: متي نفيق ونحن نلدغ من الجحر نفسه مرات ومرات.. وعلي رأي الكوميديان الكبير سعيد صالح.. »أستك منه فيه.. أشده عشان يلسعني«. تليفزيون عبدالشافي الزميل الصحفي سابقاً وزير الإعلام الحالي صلاح عبدالقصود يتباهي بما وصل إليه التليفزيون المصري في عهده.. والله نفسك حلوة يا صلاح فعندما كنا صغاراً وكان التليفزيون لا يزال وليداً في الستينيات كان في قريتنا جهاز تليفزيون واحد فقط موجود في مركز الشباب.. ولأن جهاز التليفزيون كان ثروة في ذلك الوقت عينت له الإدارة موظفاً متخصصاً لفتحه وإغلاقه.. اسمه عبدالشافي لكن كان أهل القرية ينادونه اختصاراً »عبشافي«.. كانوا يلهبون أصابعه من كثرة طلبات التغيير رغم انه لم يكن موجوداً غير قناتين فقط.. كنا نتندر عليهما بغصب 1 وغصب 2.. كان أهل القرية لا يملون بالمناداة »حوّل يا عبشافي« وهو ما بيده حيلة فضغطة تأتي بالأولي وأخري تأتي بالثانية فيصبون عليه حمم غضبهم.. ورغم ذلك كنا نشاهد الأفلام والبرامج المنوعة ومباريات كرة القدم والتنس.. أكرر التنس.. ومنها عرفنا اللاعبين العالميين.. بجانب نشرات الأخبار التي كانت تعد حكاية في وقتها.. مذيعون محترمون لا يخطئون قواعد اللغة العربية.. الآن ورغم تعدد القنوات الرسمية لدرجة قناة لكل مواطن.. نشاهد برامج مكررة لا تغني ولا تسمن من جوع.. نجري وراء الجزيرة وشقيقاتها لمتابعة الأخبار »الحقيقية« والمباريات التي أصبحت حكراً عليها بموجب اختراع حقوق الرعاية.. الخلاصة أنصح المسئولين بتغيير اسم تليفزيونا لأنه أصبح اسماً علي غير مسمي.. متي نكف عن حديث الريادة وكفي فضيحة الناس بتموت في التحرير وكاميراتهم علي صفحة النيل. كلنا راسبون أسفت لعدم توفيق زميلي الشهم وجاري في المكتب الكاتب الساخر هشام مبارك في انتخابات نقابة الصحفيين لكنها حال الانتخابات التي هي لعبة وتربيطات وأعتبرها تجربة مفيدة لإتش كما نحب أن نناديه.. والجيات أكثر.. بالقدر نفسه فرحت لفوز زميل الدراسة والمهنة ضياء رشوان بمنصب نقيب الصحفيين.. فضياء الذي أعرفه لا يمل التجربة ولا يهمه السقوط فقد ترشح مرة أمام الأستاذ مكرم محمد أحمد وسقط لكنه لم ييأس.. ولعل ذلك يذكرني بنكتة قالها لي ضياء أيام الدراسة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حيث ترشحنا معاً لانتخابات اللجنة الثقافية في اتحاد طلاب الكلية.. رسبنا معاً بينما نجحت زميلة حسناء أعتقد أنني شخصياً وكذلك ضياء اعطيناها أصواتنا.. لكن الغريب أن ضياء جاء يواسيني في السقوط بقوله معلش.. فقلت له: ما انت ساقط أيضاً.. فرد قائلاً: لا تحزن كلنا راسبون. موعد مع الحياة عندما تتفرق بك السبل وتضيق الدنيا أمامك.. فأيقن تماماً أن الله سبحانه وتعالي لابد وأن يجعل لك مخرجاً وانه اختار لك الأصلح حتي وان كرهته.. هذه ليست دروشة لكنها حقيقة مجربة.. فقد تحزن لأن القطار فاتك ثم يتحرك وتعرف ان الله تعالي أنجاك من كارثة.. قد تبتئس لأنك قطعت طريقاً دون آخر وجاء أطول مسافة وأكثر مشقة ثم تعرف أن هناك حادثاً وقع في الطريق الذي صرفك عنه الله تعالي.. اعلم تماماً اننا جميعاً مسيرون بأمر الله تعالي.. فما من شدة إلا وبعدها مخرج.. حدث هذا بالفعل في يوم ما.. واجهت ظروفا قاسية ضاقت الدنيا أمامي وتفرق عني الأصدقاء وتكالب علي الأعداء من كل حدب وصوب.. أحسست أنها النهاية ولم يعد عندي فارق بين الموت والحياة فجأة قادتني قدماي إلي مكان ما دون تفكير ودون هدف.. وهناك قابلت الحياة.. نعم قابلت الحياة وتحولت أحزاني إلي أفراح وآلامي إلي آمال ونظرتي العنيفة للحياة إلي »رحاب واسعة«.. وتحولت جراحي الي تجارب اصقلت ساعدي.. انها قدرة المولي التي يجب أن نسلم بها في كل وقت وحين. كلمات أعجبتني الاشقاء يتشاجرون والهبل يصدقون. الجبناء لا يصنعون التاريخ. قد تبيع الوطن وتحصل علي الملايين لكن كنوز الدنيا لن تكفيك لشراء وطن.