تركزت الأضواء علي مشكلة الأجور بعد الحكم القضائي الذي صدر بإلزام الحكومة بوضع حد ادني للأجور يوفر الحاجات الأساسية للمواطن. وقد سارع المجلس القومي للأجور للاجتماع - بعد غياب طويل - ليقرر أن يكون الحد الأدني هو 400 جنيه شهرياً، وهو ما اعترض عليه اتحاد العمال، كما اعترض علي عدم تطبيق القرار إلا علي عمال القطاع الخاص دون العاملين بالحكومة والقطاع العام. ولو كان المجلس القومي للأجور يقوم بدوره ويملك سلطة اتخاذ القرارات أولا بأول، ولو كانت هناك سياسية عامة لمراجعة الأجور بصفة دورية بما يحقق مصالح كل الأطراف ويضمن ارتباط الأجور بالأسعار وتكاليف المعيشة.. لما وصلنا إلي الخلل الذي تعاني منه الأغلبية الآن مع نظام أجور لا يوفر لها الحد الأدني من متطلبات الحياة ، وفي ظل ارتفاع متواصل في الأسعار أصبح فوق طاقة الجميع.. إلا القلة القليلة التي أصبحت تشكل مجتمعاً خاصاً بها لا علاقة له بما يجري في بر مصر !! لا شك إن أي إصلاح حقيقي لنظام الأجور لا يمكن إن يتم في يوم وليلة، ولكن أيضاً لا يمكن إبقاء الوضع علي ما هو عليه، أو الاكتفاء بحلول جزئية، أو التلويح باستقدام عمالة أجنبية أرخص، وهو كلام يعرف أصحابه أنه غير مسئول وغير حقيقي وغير ممكن !! ونقطة البدء في الإصلاح الحقيقي هي الإقرار بأن نظاماً عادلاً للأجور هو احد الأسس الهامة لتحقيق أي تنمية مطلوبة. فالأجر العادل يعني ان يتفرغ العامل لعمله وأن يحاول اكتساب المهارات لزيادة إنتاجه، وأن يشعر بأنه شريك حقيقي في أي نجاح يتحقق في العمل الذي ينتمي إليه. والأجر العادل يعني ان يتحول الجزء الأكبر من العاملين إلي بشر حقيقيين يتوافر لديهم الحد الأدني من مقومات الحياة لهم ولأبنائهم. والأجر العادل يعني أن تتسع دائرة الإنتاج لتلبي حاجات الملايين الذين يزيد استهلاكهم بزيادة أجورهم.. بدلا عما نراه الآن حيث تتكدس الثروة في يد قلة هي القادرة علي الإنفاق وببذخ شديد، بينما الأغلبية تكافح لمجرد توفير لقمة العيش. من هنا فإن قضية الأجور ستظل إحدي القضايا الأساسية التي ينبغي التعامل معها بنظرة أشمل من مجرد تحديد حد أدني للأجور مهما كانت قيمته. فالمطلوب هو إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي أدت إلي هذا الوضع بعد أن كنا - في فترة سابقة - نملك نظاماً للأجور أقرب إلي العدل، يوفر للعامل الحد الأدني من متطلبات الحياة، ويمنع التفاوت الفاحش في الأجور الذي نراه الآن، وقد كنت أتصور أن مشكلة العاملين في مركز المعلومات بمجلس الوزراء الذين يعملون بعقود مؤقته وبمرتبات تقل عن مائة جنيه شهرياً هو وضع استثنائي تجري معالجته، ثم فوجئت باعتصام مدرسين في بعض المحافظات يحملون مؤهلات عليا يعملون بمدارس الحكومة بمكافآت تصل - وبدون حسد- الي 140 جنيه شهرياً !! تصوروا مدرساً يتقاضي هذا المبلغ ومطلوب منه ان يقدم شيئاً لتلاميذه، بينما كل ما يحلم به ويعتصم من اجله ليس التعيين في وظيفة ثابته، بل مجرد الحصول علي عقد مؤقت يرفع مرتبه بحوالي مائة جنيه اخري !! ولا شك ان هناك حاجة لقرارات عاجلة ترفع الحدود الدنيا للأجور، وتزيد مرتبات بقية العاملين بما يساعدهم علي مواجهة الارتفاع المستمر في الأسعار. ولكن - كما قلنا - هذه ينبغي أن تكون خطوة أولي في سياسة شاملة لعلاج جذري لقضية الأجور سواء في القطاع الخاص او العام او بين موظفي الحكومة. سياسة لا تضمن فقط الحد الادني المعقول للأجر، ولكن تضمن أيضاً نوعاً من العدالة بأن يكون هناك ارتباط بين الحد الادني والحد الاقصي للأجر، فلا نجد في مؤسسات عامة من يتقاضي 500 جنيه شهريا ومن يتقاضي 500 ألفاً !! ولا نجد سكرتيراً لوزير بمؤهل متوسط يتقاضي أضعاف ما يتقاضاه وكيل الوزارة !! ولا نجد صناديق خاصة في المؤسسات والوزارات هي أبواب خلفيه للفساد والافساد !! ولا نجد هذه النظرة القاصرة عند جزء من القطاع الخاص التي تتصور ان استغلال تأثير الازمة الاقتصادية العالمية في زيادة معدلات البطالة يعطيها الحق في استغلال العمال والانتقاص من حقوقهم !! بعض الاجور في مؤسساتنا هي دعوة للفساد، وبعضها الأخر هو نتيجة لهذا الفساد، وفي الحالتين فإن الوضع لا يستقيم مع مجتمع يسعي للتنمية ويكافح من اجل النهوض. وقد يكون الحديث عن تحسين الأجور صعباً في وقت نعاني فيه من مشكلة البطالة، ولكنه يفرض نفسه - ليس بسبب الحكم القضائي - ولكن بسبب سياسات أدت إلي ارتفاع الاسعار الجنوني، والي تجمل المواطنين لفواتير الدروس الخصوصية والعلاج وظهور الاثار السيئة لعدم العدالة في توزيع الدخل والتفاوت الهائل في الاجور.. والحلول معروفة، والسياسات البديلة موجودة لدي خبرائنا الذين يعرفون جيداً واقع مصر ومتطلبات نهوضها، ولا ينتظرون الروشتات الجاهزة من صندوق النقد، اويتصورون الحل عند بنجلاديش !! آخر كلام ليسوا مسلمين ولا علاقة لهم برسالة المحبة والسماحة التي حملها الإسلام للبشرية جمعاء. وليسوا مسلمين هؤلاء الذين استباحوا بيت الله في قلب بغداد ليقتلوا بأيديهم او بأيدي غيرهم العشرات من شعبنا العراقي المنكوب بالاحتلال والإرهاب. ليسوا مسلمين وأن اختفوا وراء كلمات الله وأطلقوا الشعارات لكي تضلل العالم عن حقيقتهم كأدوات صهيونية تحاول تشويه صورة الإسلام وتسعي لنشر الفتنة من العراق إلي سائر بلادنا العربية. ليسوا مسلمين بل أقنعة للإرهاب الأسود الذي زرعه الإعداء في الأرض العربية ليعيث فساداً وليستنزف قوي الأمة ويصرفها عن مقاومة أعدائها الحقيقيين. ليسوا مسلمين وبالقطع لا يمكن ان يكون لهم صلة حقيقية بشعب مصر الذي كان علي الدوام هو الصورة الحقيقية لوسطية الإسلام وسماحته، والذي جسد علي مر العصور أعظم صورة للوحدة الوطنية بين أبنائه الذين امنوا دائماً بان الدين لله والوطن لجميع أبنائه.. يبنونه معاً ، ويدافعون عنه معاً، ويقاتلون من آجلة معاً، ويروون أرضه بدمائهم في الحرب وبعرقهم في البناء.. ليسوا مسلمين هؤلاء الذين ارتكبوا جريمتهم في اقتحام الكنيسة في بغداد ثم أرسلوا من هناك تهديداتهم الوقحة لأقباط مصر.. أي لنا جميعا، مسلمين وأقباطاً.. بل للمسلمين قبل الأقباط. فأمن مصر مسئوليتنا جميعاً، وكنائس مصر مثل جوامعها نحرسها ونحافظ عليها، والعدوان علي مواطن مصري ( مسلماً كان او مسيحياً) هو عدوان لن نتواني جميعاً في رده. والقصة من البداية إلي النهاية مفضوحة.. أنهم يستهدفون مصر، ويعرفون أن وحدتها الوطنية هي أساس صمودها ومفتاح انتصارها علي كل المؤامرات، ولهذا يفعلون المستحيل لزرع الفتنة، ويتصورون أنهم قادرون علي استغلال أخطاء نحن مسئولون عنها أو أحداث طارئة هنا وهناك لتمرير المؤامرة. لكنهم لا يعرفون مصر .. ولو عرفوا لأدركوا أنهم حين يهددون اقباط مصر، فانهم يدخلون في مواجهة مكشوفة مع 80 مليون مصري، يدركون ان لديهم مشاكل يحلونها معاً، ولكنهم معاً سيتصدون لكل من يستهدف وحدتهم الوطنية، وسيقطعون كل يد تمتد لكنيسة او مسجد، أو تحاول زرع الفتنة في وطن كان وسيظل هو المثال للوحدة الوطنية بين جميع ابنائه، ولو كره الاعداء علي مر التاريخ !!