النخبة في بلدنا.. في خطر.. وثروتنا من العلماء والخبراء وأصحاب المكانة الدولية.. مهددة بالهجرة والرحيل.. وسط حملات هجوم.. وتجريف.. واستبعاد.. وتجاهل ومطاردة لا تكاد تتوقف.. وتهدف لتفريغ مصر من أهم عناصر قوتها.. الناعمة! وأنا هنا لا اتحدث عن اسماء بعينها.. اختفت وتوارت.. ولم نعد نسمع عنها.. في مجالات تخصصها.. وإنما اتحدث عن قاعدة عريضة من صفوة المصريين الشرفاء.. الذين كرسوا حياتهم لخدمة هذا الوطن.. لسنوات طويلة.. وكانوا يمثلون القوة الناعمة للامة العظيمة التي ننتمي اليها.. والنموذج الذي تحتذي به الاجيال القادمة ويتعرضون.. هذه الايام لحملات تشويه السمعة.. وتلطيخ الدور الوطني الذي اتسم بالزهد والتواضع.. وابتغاء مرضاة الله. وظاهرة هجرة العلماء والاكاديميين واصحاب التخصصات النادرة من دولهم.. بعد التحولات السياسية الكبري..ليست جديدة.. وليست مقصورة علي مصر.. فقد هاجر من الاتحاد السوفيتي أثناء الاضطرابات التي شهدتها تلك الدولة العظمي.. نصف مليون عالم ذرة سوفيتي.. انتشروا للعمل في العديد من دول العالم.. ومن بينها ايران.. وفقا لما جاء في تقرير جاك آتالي مستشار الرئيس الفرنسي الاسبق ميتران. يقول جاك اتالي في التقرير الخطير الذي أعده.. بناء علي تكليف الدكتور بطرس غالي أمين عام الاممالمتحدة آنذاك..ان عددا كبيرا من علماء الذرة السوفيت هاجروا للخارج مع عصابات تهريب اليورانيوم.. لتأمين انتقاله بين الدول المشترية.. ومراكز تخزين هذه المواد المشعة!.. بما يعني ن هؤلاء العلماء.. من ارباب التخصص رفيع المستوي.. انتقلوا من خدمة الوطن.. لخدمة العصابات ومافيا تهريب المواد المشعة لاسباب اقتصادية.. تعود لانهيار سلطة الدولة.. وعدم قدرتها علي حماية وتأمين مؤسساتها. كان انهيار الاتحاد السوفيتي.. مروعاً .. وانتشرت الفوضي العارمة في كل المواقع.. وجري تهريب الملايين من اجهزة الكمبيوتر التي تضم المعلومات السرية لابحاث قام بها علماء التخصص لسنوات وعقود طويلة.. والاهم من ذلك كله.. وهو ما يعنيني في هذه السطور.. هو هجرة الصفوة.. والنخبة من جميع الدول التي شهدت التحولات السياسية الكبري.. هجرة البشر.. هجرة الانسان الذي لا يقدر بثمن!.. وتكررت عمليات هجرة الصفوة من دول أوروبا الشرقية اثر التحولات التي شهدتها هذه الدول بسبب تزايد الطلب العالمي علي هذه الخبرات من ناحية.. علاوة علي الاوضاع المتردية التي آلت اليها اوضاع النخبة ووقوفها امام نفق مظلم.. ومستقبل لا يبشر بالخير!.. وغني عن البيان الاشارة لملايين العلماء الالمان الذين هاجروا.. بعد الحرب العالمية الثانية.. الي امريكا.. وإلي دول امريكا اللاتينية.. وهم الذين احدثوا طفرات علمية هائلة في الدول التي هاجروا اليها.. ماعلينا! اريد ان اقول ان الظاهرة ليست جديدة.. ولا فريدة.. ولا عجيبة.. ولكن الجديد فيها بالنسبة لنا.. هو محاولة تغيير الهوية تحت دعاوي دينية.. لا تمت للاسلام بأدني صلة.. علي نحو ما لخصه الداعية السلفي محمد حسين يعقوب في قوله »البلد بلدنا.. واللي مش عاجبه.. عنده تأشيرات كندا وأمريكا«! وهو كلام غير مسئول.. ولم يصدر عن جهة رسمية ولكنه يثير. العواطف الدينية الكامنة في النفوس ويدفع لاثارة موجات من العنف.. ومعاداة صارخة لابناء الامة الواحدة.. ويمزق النسيج الوطني بشكل لم تعرفه ثورات التحول الكبري في الدول الاخري.. ناهيك عن ترويع المبدعين والشعراء وتحويلهم إلي طائفة من »المدجنين« اشبه بالفلول العربية التي بقيت في الاندلس بعد سقوط غرناطة!.. والتدجين من الصفات التي استخدمت بقصد الهجاء لوصف اناس افتقدوا القدرة علي النقد والمشاكسة.. لان المفكر أو المبدع المدجن لا يقول »لا« ويعجز عن ان يكون معارضا كأقرانه من غير المدجنين الذين يعيشون في حظيرة الدواجن! وهي صفة استخدمت لاول مرة في الاندلس بعد سقوط غرناطة.. كما اشرت في السطور السابقة. والمثير في الموضوع ان تطل علينا هذه الحالة.. في الوقت الذي نحتاج فيه عمليات التعمير والبناء والاصلاح الاقتصادي والاجتماعي لعقول وجهود النخبة.. من العلماء والمفكرين والمبدعين.. وفي الوقت الذي تتجه فيه 120 مليون جرادة نحو القاهرة.. ويبدأ فيه شحن جثامين ضحايا منطاد الاقصر.. ومحاصرة البورصة والبنك المركزي واغلاق طريق المطار.. وقطع خطوط السكك الحديدية وادراج انسي وناصف ساويرس علي قوائم الممنوعين من السفر الخ.. علاوة علي ما يجري من اعمال عنف غير مسبوق في العديد من المحافظات.. ناهيكم عن عمليات السلب والنهب التي تجري علي مدار الساعة.. ومن اعتداءات علي رجال الشرطة. اختصار الكلام.. اننا نمر بمرحلة حرجة تجاوزت كافة الخطوط الحمراء في كل المجالات.. الامر الذي يدعو لبدء انتهاج سياسة جديدة.. تتولي فيها النخبة والمفكرون والعلماء.. المهمة الاساسية وهي اشاعة الامل في المستقبل.. واننا علي طريق طويل من الاصلاح بمشاركة كل ابناء الوطن العظيم الذي ننتمي اليه.. بلا اقصاء.. وبلا تفرقة.. وبلا تصنيف.. لاننا جميعا.. ابناء وطن واحد.. ونستقل نفس السفينة.. في بحر متلاطم الامواج. تعالوا نحتضن النخبة.. ونحن علي ثقة بأن الله يقف معنا وسوف ينصرنا.. ويبارك لنا في نخبتنا.. بعيدا عن فاحش القول وبذيء الكلام! نصرة قوية.. والف سلامة.. باذن الله.. بشرط ان نضع النخبة والمبدعين في عيوننا وقلوبنا.. ولا ندفعهم دفعا.. نحو التفكير في الهجرة!