أيادي كل المصريين علي قلوبهم ..خوفا مما ينتظره الوطن غدا من مآس متوقعة وغير متوقعة . فالغد هو موعد صدور الحكم الأول لمحكمة الجنايات في قضية مذبحة ستاد بور سعيد التي راحت فيها أرواح 27 شابا بريئا ذهبوا ليستمتعوا بمباراة في كرة القدم فاذا بهم يعودون الي أهاليهم في صناديق. مصر كلها تنتظر الحكم الذي سيصدر اليوم بعد أن احيلت الي فضيلة المفتي أوراق الحكم بالاعدام علي 21 متهما ..وستصدر المحكمة حكمها في هؤلاء وفي بقية المتهمين في الجلسة التي ستعقدها غداً ..ونحن نثق كل الثقة في نزاهة وعدالة القضاء المصري, وأن الأحكام التي تصدر من منصة القضاء هي أحكام منزهة عن الهوي والغرض ولاميل فيها إلي يمين أو يسار أو أهلاوي أو مصراوي فالكل أمام القانون سواءٍ. ولكننا نعلم علم اليقين أن أحكام القضاء قد لا تلقي القبول من الطرف الذي يحكم ضده فيهتف ضد القضاة.. بينما تلقي الترحيب من الطرف المحكوم لصالحه فيهتف : يحيا العدل. ولكن لأننا تعودنا في الشهور الأخيرة من الرئاسة والحكومة والشعب أنه لا وجود للقانون، وإن وجد فلا احترام له .. لذلك فإننا يجب أن نتوقع اعتراضا هائلا علي الحكم من أحد الطرفين مثلما حدث في بور سعيد يوم 26 يناير عندما أحيلت أوراق 21 متهما الي المفتي . ويبدو واضحا أن بور سعيد التي اشتعلت منذ هذا التاريخ ولم تهدأ حتي الآن سيكون لها النصيب الأكبر من ردود الأفعال غدا . فالشوارع في بور سعيد تفجرت أولا بالاعتراض علي الحكم ثم تحولت الاعتراضات الي الدعوة الي عصيان مدني تطورت الي مواجهة حادة مع الشرطة راح ضحيتها من الشرطة وأبناء المدينة أكثر ممن راحوا في المجزرة الأولي .. وعلت الأصوات التي تنادي بالانفصال ولا يعلم أحد الا الله ماذا سوف تصل اليه الأمور غدا اذا كان الحكم علي غير هوي البورسعيدية . وعلي الطرف الآخر أيضا نجد أن التراس أهلاوي يمارس التدريبات الاحمائية لمباراة الغد بمظاهرات تملأ شوارع القاهرة وميادينها وجسورها وكورنيشها مما ينذر بمواجهات أكثر عنفا لو جاء الحكم علي غير هواهم . نحن إذن في حاجة الي حكم تفصيل .. حكم يعلن في القاهرة وحكم يعلن في بور سعيد ..وما كنت أتمني أن أقول هذا الكلام لولا أننا رأينا الفوضي التي أثارها الطرفان في الأيام الماضية ولولا عدم قدرة الشرطة علي مواجهة المتطرفين من كلا الجانبين . فاذا كان ما حدث من قتل وضرب ودهس قد حدث قبل الحكم فماذا ننتظر بعده؟..استر يارب. كل هذه الفوضي ..وكل هؤلاء الضحايا مسئولية من؟. سؤال أسأله لنفسي كثيرا ولا أجد له اجابة. أما من سيوبخني ويقول لي إنها مسئولية الرئيس أو الحكومة أو الشرطة.. أو من سيؤنبني ويقول انها مسئولية الألتراس أو البلطجية كما يصفهم البعض ..أقول لهم انها مسئولية الجميع. فنحن أصبحنا لا يطيق بعضنا البعض ..حتي لا يطيق أي منا أن يستمع للآخر. كلنا نتهم الآخر بالخيانة والعمالة واللاوطنية ..كلنا ننظر الي المشكلة من منظور بالغ الضيق لا نري منه سوي أنفسنا ولا شيء غيرنا وكأن كل منا يعيش وحده في هذا الوطن . الغريب أن الحكومة ولا هي هنا .. رئيسها سافر لأداء العمرة.. وإلي تشاد والعراق ولم يفكر في الذهاب الي بور سعيد أو المنصورة أو المحلة ..ترك الأمر كله للشرطة تواجه الشعب وكلاهما لا يطيق الآخر .. هذا يتحدث عن البلطجية وذاك يتحدث عن الميليشيات.. والنتيجة هي سقوط المزيد من الضحايا من الطرفين من الشعب والشرطة وكلاهما مصري دمه حرام علي الآخر. الضحية الوحيدة في تلك المواجهات البشعة الحادة هي مصر التي تنزف وتحتضر ولا أحد يسأل عنها . فقط يهتمون بالانتخابات وتنظيم التحالفات وتقسيم الدوائر والحمد لله أنه تم وقفها أخيرا .. ويهتمون بالمصالحات مع رجال الأعمال التي يشوبها الغموض وتنبعث منها روائح غريبة منفرة .. والذي يرفض التصالح والمشاركة يجري له ما جري لساويرس وعائلته .. يهتمون بالتفتيش في الأوراق القديمة بحثا عن قضية تشغل الرأي العام وتبعده عما يحدث . أعود إلي الحكم القضائي المتوقع صدوره غدا والذي سيكون مرفوضا بالقطع من أحد الجانبين .. ولكني أطالب الجميع باحترامه وأن يكون الاعتراض عليه في إطار القانون .. وأن تكون الدولة حاسمة أمام أي محاولة للتخريب والتدمير من أي من الطرفين .. كفانا مزيدا من الضحايا .. كفانا مزيدا من الدمار والخراب .