بعد حوالي خمس سنوات من أخر زيارة قمت بها للعاصمة الروسية موسكو ذهبت في زيارة سريعة لم تستغرق سوي ثلاثة أيام.. ولكنها كانت كافية لأشهد مدي التطور الذي طرأ علي الحياة العامة والسياسية.. لقد اتخذت المظاهر المثيرة للانتباه في شوارع المدينة بأضوائها المبهرة سمة العواصم الأوروبية من خلال المحلات وفترينات العرض والسوبرماركت ونوعية وحركة السيارات الكثيفة وموجة التعمير المتمثلة في اقامة المباني الشاهقة الارتفاع وانتشار فروع الشركات الغربية الي جانب توافر كل منتجاتها والاعلان عنها في كل وسائل الاعلام والاعلان سواء كانت مقروءة أو مرئية أو مسموعة. اذا كان هذا هو ما طرأ علي الحياة داخل المجتمع الروسي الذي أصبح يجمع بين الثراء الفاحش والفقر المدقع فإن ما يجري علي الساحة السياسية ومن خلال ما سمعت يعد الأكثر اثارة. ان محور هذه الاحداث تدور حول ما يتردد عن الصراع المكتوم الدائر حاليا بين رئيس الجمهورية الروسية السابق بوتين الذي يتولي حاليا رئاسة مجلس الوزراء وبين الرئيس الحالي ديمتري ميدفيديف. كما هو معروف فقد كان بوتين وراء اختياره وترشيحه لهذا المنصب بعد انتهاء فترتي رئاسته لروسيا تنفيذا لما يقضي به الدستور. تم ذلك علي أساس أن يكون تولي ميدفيديف بمثابة »محلل« بما يسمح لبوتين بالعودة ثانية الي تولي هذا المنصب بعد فترة رئاسية واحدة يتولاها ميدفيديف. يستند بوتين لتنفيذ هذا المخطط علي رئاسته وزعامته لحزب روسيا الموحدة الحاكم وصاحب الأغلبية في البرلمان »الدوما«. عند متابعة تطورات الأمور نجد أنها تأخذ الطابع الدارج الذي يدفع النفس البشرية للخضوع لاغراءات كرسي الحكم والذي يتكرر كثيرا وهو ما كان وراء تطلع وطموح ميدفيديف في رئاسة ثانية خاصة بعد امتداد رئاسته الحالية من أربع الي ست سنوات. الحديث في الأروقة السياسية وفي بعض الصحف الروسية يدور حول وجود صراع بين بوتين وصنيعته ميدفيديف فيما يتعلق بالترشيح للرئاسة في الانتخابات التي ستجري عام 2102 . تشير هذه الأحاديث الي ان ميدفيديف بدأ يمهد لهذه الخطوة بابعاد بعض رجال بوتين الرجل الذي تربي في أحضان ال »كي.جي.بي« (المخابرات الروسية). ويساهم المنافقون وأصحاب المصالح خاصة رجال الأعمال الذين تعرض بعضهم للتنكيل علي يد بوتين في تغذية هذا الصراع بالوقوف في صف ميدفيديف وتشجيعه علي هذا الترشيح. الغريب ان ينضم الشيوعيون الي هذه الجماعات من أجل التخلص من بوتين الذي ينافسهم في رفع الشعارات الداعية الي العمل من اجل استعادة المجد الروسي. انهم يرون في الشعبية التي يتمتع بها بوتين عقبة امام سيطرتهم علي الحياة السياسية وانتقالهم من صفوف المعارضة في البرلمان الي سدة الحكم. وتتحدث بعض التقارير عن دلائل تشير الي تصاعد الخلاف بين ميدفيديف وبوتين في عدد من القضايا التي تتركز في مدي تدخل الدولة في الشئون الاقتصادية وسيطرتها علي وسائل الاعلام كما أن هناك جدل حول تطبيق نظام الخدمة العسكرية التطوعية بدلا من التجنيد الاجباري وان يتم اختيار حكام الاقاليم بالانتخاب المباشر وليس من خلال التعيينات التي تقوم بها الحكومة المركزية في موسكو. ويحرص كل من ميدفيديف وبوتين علي نفي وجود أي خلافات بينهما وان هناك اتفاقا بينهما في السياسات والافكار وانه لن تكون هناك منافسة بينهما. علي كل حال يمكن القول بأن الأمور لن تتضح تماما إلا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 2102 والي ان يحين هذا الموعد علينا ان ننتظر ما سوف يحدث في روسيا التي استعاد لها بوتين جانبا من مكانتها كدولة عظمي.